التفاسير

< >
عرض

وَلاَ يَتَمَنَّونَهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْديهِمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلظَّالِمِينَ
٧
-الجمعة

روح البيان في تفسير القرآن

{ ولا يتمنونه ابدا } اخبار بما سيكون منهم وابدا ظرف بمعنى الزمان المتطاول لا بمعنى مطلق الزمان والمراد به ماداموا فى الدنيا وفى البقرة { ولن يتمنوه } لان دعواهم فى هذه السورة بالغة قاطعة وهى كون الجنة لهم بصفة الخلوص فمبالغ فى الرد عليهم بلن وهو ابلغ ألفاظ النفى ودعواهم فى الجمعة قاصرة مترددة وهى زعمهم انهم اولياء الله فاقتصر على لا كما فى برهان القرءآن { بما قدمت ايديهم } الباء متعلقة بما يدل عليه النفى اى يأبون التمنى بسبب ماعملوا من الكفر والمعاصى الموجبة لدخول النار نحو تحريف احكام التوراة وتغيير النعت النبوى وهم يعرفون انهم بعد الموت يعذبون بمثل هذه المعاصى ولما كانت اليد بين جوارح الانسان مناط عامة افاعليه عبر بها تارة عن النفس وأخرى عن القدرة يعنى ان الايدى هنا بمعنى الذوات استعملت فيها لزيادة احتياجها اليها فكأنها هى { والله عليم بالظالمين } وضع المظهر موضع المضمر للتسجيل عليهم بالظلم فى كل امورهم اى عليم بهم وبما صدر عنهم من فنون الظلم والمعاصى المفضية الى افانين العذاب وبما سيكون منهم من الاحتراز عما يؤدى الى ذلك فوقع الامر كما ذكر فلم يتمن منهم احد موته وفى الحديث "لايتمنين احدكم الموت اما محسنا فان يعش يزدد خيرا فهو خير له واما مسيئا فلعله ان يستعتب" اى يسترضى ربه بالتوبة والطاعة وما روى عن بعض ارباب المحبة من التمنى فلغاية محبتهم وعدم صبرهم على الاحتراق بالافتراق ولا كلام فى المشتاق المغلوب المجذوب كما قال بعضهم

غافلان ازمرك مهلت خواستند عاشقان كفتند نى نى زود بان

فللتمنى اوقات واحوال يجوز باعتبار ولايجوز بآخر اما الحال فكما فى الاشتياق الغالب واما الوقت فكما أشار اليه قوله عليه لسلام "اللهم انى اسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين فاذا أردت بعبادك فتنة فاقبضنى اليك غير مفتون" (روى) انه عليه السلام قال فى حق اليهود "لو تمنوا الموت لغص كل انسان بريقه فمات مكانه ومابقى على وجه الارض يهودى" ثم ان الموت هو الفناء عن الارادات النفسانية والاوصاف الطبيعية كما قال عليه السلام "موتوا قبل أن تموتوا" فمن له صدق ارادة وطلب يحب ان يموت عن نفسه ولا يبالى سقط على الموت ام سقط الموت عليه وان كان لذلك مرا فى الظاهر لكنه حلو فى الحققة وفيه حياة حقيقية وشفاء للمرض القلبى

جه خوش كفت بكروزدار وفروش شفا بايدت داروى تلخ وش

واما من ليس له صدق ارادة وطلب فانه يهرب من المجاهدة مع النفس ويشفق ان يذبح بقرة الطبيعة فهو عند الموت الطبيعى يقاسى من المرارات مالا تفى ببيانه العبارات والله الحفيظ