التفاسير

< >
عرض

إِذَا جَآءَكَ ٱلْمُنَافِقُونَ قَالُواْ نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَٱللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ
١
-المنافقون

روح البيان في تفسير القرآن

{ اذا } جون { جاءك المنافقون } اىحضروا مجلسك وبالفارسية بتوآيند دو رويان، والنفاق اظهار الايمان باللسان وكتمان الكفر بالقلب فالمنافق هو الذى يضمر الكفر اعتقادا ويظهر الايمان قولا وفى المفردات النفاق الدخول فى الشرع من باب والخروج منه من باب من النافقاء احدى جحرة اليربوع والثعلب والضب يكتمها ويظهر غيرها فاذا أتى من قبل القاصعاء وهو الذى يدخل منه ضرب النافقاء برأسه فانتفق والنفق هو السرب فى الارض النافذ{ قالوا } مؤكدين كلامهم بان واللام للايذان بأن شهادتهم هذه صادرة عن صميم قلوبهم وخلوص اعتقادهم ووفور رغبتهم ونشاطهم والظاهر انه الجواب لاذا لان الآية نظير قوله تعالى { وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا } وقيل جوابه مقدر مثل أرادوا أن يخدعوك وقيل استئناف لبيان طريق خدعتهم وقيل جوابه قوله { فاحذرهم } { نشهد } الآن او على الاستمرار { انك لرسول الله } والشهادة قول صادر عن علم حصل بشهادة بصر او بصيرة { والله يعلم انك لرسوله } اعتراض مقرر لمنطوق كلامهم لكونه مطابقا للواقع ولا زالة ايهام ان قولهم هذا كذب لقوله { والله يشهد } الخ وفيه تعظيم للنبى عليه السلام وقال ابو الليث والله يعلم انك لرسوله من غير قولهم وكفى بالله شهيدا محمد رسول الله.
اعلم ان كل ماجاء فى القرءآن بعد العلم من لفظة ان فهى بفتح الهمزة لكونها فى حكم المفرد الا فى موضعين احدهما { والله يعلم انك لرسوله } فى هذه السورة والثانى
{ قد نعلم انه ليحزنك الذى يقولون } فى سورة الانعام وانما كان كذلك فى هذين الموضعين لانه يأتى بعدهما لام الخبر فانكسرا اى لان اللام لتأكيد معنى الجملة ولا جملة الا فى صورة المكسورة وقال بعضهم اذا دخلت لام الابتدآء على خبرها تكون مكسورة لاقتضاء لام الابتدآء الصدارة كما يقال لزيد قائم وتؤخر اللام لئلا يجتمع حرفا التأكيد واختير تأخيرها الترجيح ان فى التقديم لعالميته فكسرت لاجل اللام { والله يشهد } شهادة حقة { ان المنافقين لكاذبون } اى انهم والاظهار فى موضع الاضمار لذمهم والاشعار بعلية الحكم اى لكاذبون فيما ضمنوا مقالتهم من انها صادرة عن اعتقاد وطمأنينة قلب فان الشهادة وضعت للاخبار الذى طابق فيه اللسان اعتقاد القلب اطلاقها على الزور مجاز كاطلاق البيع على الفاسد نظيره قولك لمن يقول أنا أقرأ الحمد لله رب العالمين كذبت فالتكذيب بالنسبة الى قرآئته لا بالبنسبة الى المقروء الذى هو الحمد لله رب العالمين ومن هنا يقال ان من استهزأ بالمؤذن لايكفر بخلاف من استهزأ بالاذان فانه يكفر قال بعضهم حجة شرعية تظهر الحق ولا توجبه فهى الاخبار بما علمه بلفظ خاص ولذلك صدق المشهود به وكذبهم فى الشهادة بقوله { والله يعلم } الخ دلت الآية على ان العبرة بالقلب والاخلاص وبخلوصه يحصل الخلاص وكان عليه السلام يقبل من المنافقين ظاهر الاسلام واما حكم الزنديق فى الشرع وهو الذى يظهر الاسلام ويسر الكفر فانه يستتاب وتقبل توبته عند ايى ولا تقبل عن ابى حنيفة والشافعى رحمهما الله قال سهلرحمه الله اقروا بلسانهم ولم يعترفوا بقلوبهم فلذلك سماهم الله منافقين ومن اعترف بقبله واقر بلسانه ولم يعمل باركانه مافرض الله من غير عذر ولا جهل كان كأبليس وسئل حذيفة من المنافق قال الذى يصف الاسلام ولا يعمل به وهم اليوم شر منهم لانهم كانوا يومئذ يكتمونه وهم اليوم يظهرونه وفى الآية اشارة الى ان المنافقين الذامين للدنيا وشهواتها باللسان المقبلين عليها بالقلب وان كانوا يشهدون بصحة الرسالة لظهور انوارها عليهم من المعجزات والكرامات لكنهم كاذبون فى شهاداتهم لاعراضهم عنه عليه السلام ومتابعته واقبالهم على الدنيا وشهواتها فحقيقة الشهادة انما تحصل بالمتابعة وقس عليه شهادة اهل الدنيا عند ورثة الرسول قال الحسن البصرى رحمه لله يا ابن آدم لايغرنك قول من يقول المرء مع من احب فانك لاتلحق الابرار الا بأعمالهم فان اليهود والنصارى يحبون انبياءهم وليسوا معهم وهذه اشارة الى ان مجرد ذلك من غير موافقة فى بعض الاعمال او كلها لاينفع كما فى احياء العلوم ولذا قال حضرة الشيخ الاكبر قدس سره الاطهر المرء مع من احب فى الدنيا بالطاعة والأدب الشرعى وفى الآخرة بالمعاينة والقرب المشهدى انتهى.
فاذا كانت المحبة المجردة بهذه المثابة فما ظنك بالنفاق الذى هو هدم الاس والاصل وبناء الفرع فلا اعتداد بدعوى المنافق ولا بعمله وفى التأويلات القاشانية المنافقون هم المذبذبون الذين يجذبهم الاستعداد الاصلى الى نور الايمان والاستعداد العارضى الذى حدث برسوخ الهيئات الطبيعية والعادات الرديئة الى الكفر وانما هم كاذبون فى شهادة الرسالة لان حقيقة معنى الرسالة لايعلمها الى الله والراسخون فى العلم الذين يعرفون الله ويعرفون بمعرفته رسول الله فان معرفة الرسول لاتمكن الا بعد معرفة الله وبقدر العلم بالله يعرف الرسول فلا يعلمه حقيقة الا من انسلخ عن علمه وصار عالما بعلم الله وهم محجوبون عن الله بحجب ذواتهم وصفاتهم وقد اطفأوا نور استعدادتهم بالغواشى البدنية والهيئات الظلمانية فانى يعرفون رسول الله حتى يشهدوا برسالته انتهى قال الشيخ ابو العباس معرفة الولى اصعب من معرفة الله فان الله معروف بكماله وجماله وحتى متى يعرف مخلوقا مثله يأكل كما يأكل ويشرب كما يشرب