التفاسير

< >
عرض

وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُواْ تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ ٱلْعَدُوُّ فَٱحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ ٱللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ
٤
-المنافقون

روح البيان في تفسير القرآن

{ واذا رأيتهم } وجون به بينى منافقا نراجون ابن ابى وامثال او، الرؤية بصرية { تعجبك اجسامهم } بشكفت آرد ترا اجسام ايشان، لضخامتها ويروقك منظرهم لصباحة وجوههم واصله من العجب والشىء العجيب هو الذى يعظم فى النفس امره لغرابته والتعجب حيرة تعرض للنفس بواسطة ما يتعجب منه { وان يقولوا } وجون سخن كويند { تسمع لقولهم } لفصاحتهم وذلاقة ألسنتهم وحلاوة كلامهم واللام صلة وقيل تصغى الى قولهم وكان ابن ابى جسيما صبيحا فصيحا يحضر مجلس رسول الله عليه السلام فى نفر من امثاله وهم رؤساء المدينة وكان عليه السلام ومن معه يعجبون بهياكلهم ويسمعون الى كلامهم وان الصباحة حسن المنظر لايكون الا من صفاء الفطرة فى الاصل ولذا قال عليه السلام "اطلبوا الخير عند حسان الوجوه" اى غالبا وكم من رجل قبيح الوجه قضاء للحوائج قال بعضهم

يدل على معروفه حسن وجهه ومازال حسن الوجه احد الشواهد

وفى الحديث "اذا بعثتم الىَّ رجلا فابعثوه حسن الوجه حسن الاسم" ثم لما رأى عليه السلام غلبة الرين على قلوب المنافقين وانطفاء نور استعدادهم وابطال الهيئات الدنية العارضية خواصهم الاصلية ايس منهم وتركهم على حالهم (وروى) عن بعض الحكماء انه رأى غلاما حسنا وجهه فاستنطقه لظنه ذكاء فطنته فما وجد عنده معنى فقال ما احسن هذا البيت لو كان فيه ساكن وقال آخر طشت ذهب فيه خل { كأنهم خشب مسندة } فى حيز الرفع على انه خبر مبتدأ محذوف اى هم كأنهم او كلام مستأنف لامحل له والخشب بضمتين جميع خشبة كأ كم واكمة او جمع خشب محركة كأسد واسد وهو ماغلظ من العيدان والاسناد الامالة ومسندة للتكثير فان التسنيد تكثير الاسناد بكثرة المحال اى كأنها أسندت الى مواضع والمعنى بالفارسية كويا ايشان جو بهاى خشك شده ا ند بديوار بازنهاده، شبهوا فى جلوسهم فى مجالس رسول الله مستندين فيها بخشاب منصوبة مسندة الى الحائط فى كونهم اشباحا خالية عن العلم والخير والانتفاع ولذا اعتبر فى الخشب التنسيد لان الخشب اذا انتفع به كان فى سقف او جدار او غيرهما من مظان الانتفاع فكما ان مثل هذا الخشب لانفع فيه فكذا هم لانفع فيهم وكما ان الروح النامية قد زالت عنهم فهم فى زوال استعداد الحياة الحقيقية والروح الانسانى بمثابتها.
يقول الفقير فيه اشارة الى ان الاستناد فى مجالس الاكابر او فى مجالس العلم من ترك الأدب ولذا منع الامام مالكرحمه الله هرون من الاستناد حين سمع منه الموطأ (حكى) ان ابراهيم بن ادهم قدس سره كان يصلى ليلة فأعيى فجلس ومد رجليه فهتف به هاتف اهكذا تجالس الملوك وكان الحريرى لايمد رجليه فى الخلوة ويقول حفظ الأدب مع الله احق وهذا من أدب من عرف معنى الاسم المهيمن فان من عرف معناه يكون مستحييا من اطلاعه تعالى عليه ورؤيته له وهو المراقبة عند اهل الحقيقة ومعناه علم القلب باطلاع الرب ودلت الآية وكذا قوله عليه السلام
"انه ليأتى الرجل العظيم السمين يوم القيامة لايزن عند الله جناح بعوضة" على ان العبرة فى الكمال والنقصان بالاصغرين اللسان والقلب لا بالاكبرين الرآس والجلد فان الله تعالى لاينظر الى الصور والاموال بل الى القلوب والاعمال فرب صورة مصغرة عند الله بمثابة الذهب والمؤمن لايخلو من قلة او علة او ذلة ولاشك ان بالقلة يكثر الهم الذى يذيب اللحم والشحم وكذا بالعلة يذوب البدن ويطرأ عليه الذبول وفى الحديث "مثل المؤمن مثل السنبلة يحركها الريح فتقوم مرة وتقع اخرى ومثل الكافر مثل الارزة لاتزال قائمة حتى تنقر" قوله الارزة بفتح ألهمزة وبرآء مهملة ساكنة ثم زاى شجرة يشبه الصنوبر يكون بالشأم وبلاد الارمن وقيل هو شجر الصنوبر والانقعار، ازبن بركنده شدن يعنى مثل منافق مثل صنوبر براست كه بلند واستوار بر زمين تاكه افتادن وازبيخ بر آمدن، وفيه اشارة الى ان المؤمن كثير الابتلاء فى بدنه وماله غالبا فيكفر عن سيئاته والكافر ليس كذلك فيأتى بسيئاته كاملة يوم القيامة { يحسبون } يظنون { كل صيحة } كل صوت ارتفع فان الصيحة رفع الصوت وفى القاموس الصوت بأقصى الطاقة وهو مفعول اول ليحسبون والمفعول الثانى قوله { عليهم } اى واقعة علهيم ضارة، ومراد از صيحة هر فريادى كه برآيد وهرآوازى كه درمدينه بركشند.
وقال بعضهم اذا نادى مناد فى العسكر لمصلحة او انفلتت دابة او انشدت ضالة او وقعت جلبة بين الناس ظنوه ايقاعا بهم لجبنهم واستقرار الرعب فى قلوبهم والخائن خائف وقال القاشانى لان الشجاعة انما تكون من اليقين من نور الفطرة وصفاء القلب وهم منغمسون فى ظلمات صفات النفوس محتجبون باللذات والشهوات كأهل الشكوك والارتياب فلذلك غلب عليهم الجبن والخور انتهى وفى هذا زيادة تحقر لهم وتخفيف لقدرهم كما قيل اذا رأى غير شىء ظنه رجلا وقيل كانوا على وجل من أن ينزل الله فيهم مايهتك استارهم ويبيح دماءهم واموالهم { هم العدو } اى هم الكاملون فى العداوة الراسخون فيها فان اعدى الاعادى العدو المكاسر الذى يكاسرك وتحت ضلوعه دآء لايبرح بل يلزم مكانه ولم يقل هم الاعدآء لان العدو لكونه بزنة المصادر يقع على الواحد وما فوقه { فاحذرهم } اى فاحذر أن تثق بقولهم وتميل الى كلامهم او فاحذر مما يلتهم لاعدآئك وتخذيلهم اصحابك فانه يفشون سرك للكفار { قاتلهم الله } دعاء عليهم وطلب من ذاته تعالى أن يلعنهم ويخزيهم ويميتهم على الهوان والخذلان كما قال ابن عباس رضى الله عنهما اى لعنهم قال سعدى المفتى ولا طلب هناك حقيقة بل عبارة الطلب للدلالة على ان اللعن عليهم مما لابد منه قال الطيبى يعنى انه من اسلوب التجريد كقرآءة ابن عباس رضى الله عنهما فى قوله
{ ومن كفر فامتعه } ياقادر ويجوز أن يكون تعليما للمؤمنين بأن يدعوا عليهم بذلك ففيه دلالة على ان للدعاء على اهل الفساد محلا يحسن فيه فقاتل الله المبتدعين الضالين المضلين فانهم شر الخصماء واضر الاعدآء وايراده فى صورة الاخبار مع انه انشاء معنى للدلالة على وقوعه ومعنى الانشاء بالفارسية هلاك كناد خداى ايشانرا يالعنت كنادج برايشانن وقال بعضهم اهلكهم وهو دعاء يتضمن الاقتضاء والمنابذة وتمنى الشر لهم ويقال هى كلمة ذم وتوبيخ بين الناس وقد تقول العرب قاتله الله مااشعره فيضعونه موضع التعجب وقيل احلهم محل من قاتله عدو قاهر لكل معاند { انى يؤفكون } تعجيب من حالهم اى كيف يصرفون عن الحق والنور الى ماهم عليه من الكفر والضلال والظلمة بعد قيام البرهان من الافك بفتح الهمزة بمعنى الصرف عن الشىء لان الافك بالكسر بمعنى الكذب.
قال فى التأويلات النجمية اذا رأيتهم من حيث صورهم المشكلة تعجبك اجسام اعمالهم المشوبة بالرياء والسمعة الخالية عن ارواح النيات الخالصة الصافية وان يقولوا قولا بالحروف والاصوات مجردا عن المعانى المصفاة تصغ الى قولهم المكذوب المردود كان صورهم المجردة عن المعنى المخيلة صورتها القوة الخالية بصورة الخشب المسندة الى جدار الوهم لا روح فيها ولامعنا يحسبون كل صيحة صاح بها صور القهر واقعة عليهم لضعف قلوبهم بمرض النفاق وعلة الشقاق هم الكاملون فى العداوة الذاتية والبغضاء الصفاتية فاحذرهم بالصورة والمعنى قاتلهم الله بالخزى والحرمان والسوء والخذلان أنى يعدلون عن طريق الدين الصدق