التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلاَدِكُمْ عَدُوّاً لَّكُمْ فَٱحْذَرُوهُمْ وَإِن تَعْفُواْ وَتَصْفَحُواْ وَتَغْفِرُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
١٤
-التغابن

روح البيان في تفسير القرآن

{ يا أيها الذين آمنوا } ايمانا خالصا { ان من ازواجكم } جمع زوج يعم الحليل والحليلة وسيجئ ما فى اللباب { واولادكم } جمع ولد يعم الابن والبنت { عدوا لكم } يشغلونكم عن طاعة الله وان لم يكون لهم عداوة ظاهرة فان العدو لا يكون عدوا بذاته وانما يكون عدوا بفعله فاذا فعل الزوج والولد فعل العدو كان عدوا ولا فعل اقبح من الحيلولة بين العبد وبين الطاعة او يخاصمونكم فى اموار الدنيا واشد المكر ما يكون فى الدين فان ضرره اشد من ضرر ما يكون فى الدنيا وجاء فى الخبر ليس عدوك الذى لقيته فقتلته وآجرك الله على قتله ولكن اعدى عدوك نفسك التى بين جنبيك وامرأتك تضاجعك على فراشك وولدك من صلبك قدم الازواج لانها مصادر الاولاد ولانها لكونها محل الشهوات ألصق بقلوب الناس وأشد اشغالا لهم عن العبودية ولذا قدمها الله تعالى فى قوله { زين للناس حب الشهوات من النساء } وفى الالباب ان قوله { ان من ازواجكم } يدخل فيه الذكر فكما ان الرجل تكون زوجته وولده عدوا له كذلك المرأة يكون زوجها عدوا لها بهذا المعنى فيكون الخطاب هنا عاما على التغليب ويحتمل أن يكون الدخول باعتبار الحكم لا باعتبار الخطاب { فاحذروهم } الحذر احتراز عن مخيف والضمير للعدو فانه يطلق على الجمع قال بعضهم احذروهم اى احفظوا أنفسكم من محبتهم وشدة التعلق والاحتجاب بهم ولا تؤثروا حقوقهم على حقوق الله تعالى وفى الحديث "اذا كان امرآؤكم خياركم واغنياؤكم اسخياءكم وامركم شورى بينكم اى ذا تشاور لا يتفرد احد برأى دون صاحبه فظهر الارض خير لكم من بطنها واذا كان امراؤكم شراركم واغنياؤكم بخلاءكم وامركم الى نسائكم فبطن الارض خير لكم من ظهرها" وفى الحديث "شاوروهن وخالفوهن" وقد استشار النبى عليه السلام ام سلمة رضى الله عنها كما فى قصة صلح الحديبية فصار دليلا لجواز استشارة المرأة الفاضلة ولفضل ام سلمة ووفور عقلها حتى قال امام الحرمين لا نعلم امرأة اشارت برأى فأصابت الا ام سلمة كذا قال وقد استدرك بعضهم ابنة شعيب فى امر موسى عليهما السلام (حكى) ان خسرو كان يحب اكل السمك فكان يوما جالسا فى المنظرة وشيرين عنده اذ جاء صياد ومعه سمكة كبيرة فوضعها بين يديه فأعجبته فأمر له بأربع آلاف درهم فقالت شيرين بئس ما فعلت لانك اذا أعطيت بعد هذا احدا من عسكرك هذا القدر احتقره وقال أعطانى عطية الصياد فقال خسرو لقد صدقت لكن يقبح على الملوك أن يرجعوا فى عطياتهم فقالت شيرين تدعو الصياد وتقول له هذه السمكة ذكر او انثى فان قال ذكر فقل انما أردنا انثى وان قال انثى فقل انما أردنا ذكرا فنودى الصياد فعاد فقال له الملك هذه السمكة ذكر أو انثى فقال هذه السمكة خنثى فضحك خسرو من كلامه وامر له بأربعة آلاف درهم اخرى فقبض ثمانية آلاف درهم ووضعها فى جراب معه وحملها على كاهله وهم بالخروج فوقع من الجراب درهم واحد فوضع الصياد الجراب وانحنى على الدرهم فأخذه والملك وشيرين ينظران اليه فقالت شيرين للملك أرأيت الى خسة هذا الرجل وسفالته سقط منه درهم واحد فألقى عن كاهله ثمانية آلاف درهم وانحنى على ذلك الدرهم وأخذه ولم يسهل عليه أن يتركه فغضب الملك وقال لقد صدقت يا شيرين ثم امر باعادة الصياد فقال يا دنيئ الهمة لست بانسان ما هذا الحرص والتهالك على درهم واحد فقبل الصياد الارض وقال انى لم ارفع ذلك الدرهم لخطره عندى وانما رفعته عن الارض لان على احد وجهيه اسم الملك وعلى الآخر صورته فخشيت أن يأتى احد بغير علم فيضع عليه قدمه فيكون ذلك استخفافا بالملك وصورته فتعجب خسرو من كلامه فأمر له بأربعة آلاف درهم اخرى وكتب وصية للناس بأن لا تطيعوا النساء اصلا ولا تعملوا برأيهن قطعا (وحكى) ان رجلا من بنى اسرآئيل أتى سليمان عليه السلام وقال يا نبى الله أريد أن تعلمنى لسان البهائم فقال سليمان ان كنت تحب ان تعلم لسان البهائم أنا اعلمك ولكن اذا اخبرت احدا تموت من ساعتك فقال لا اخبر احدا فقال سليمان قد علمتك وكان للرجل ثور وحمار يعمل عليهما فى النهار فاذا امسى ادخل عليهما علفا فحط العلف بين يديهما فقال الحمار للثور اعطنى الليلة عشاءك حتى يحسب صاحبنا انك مريض فلا يعمل عليك ثم انى أعطيك عشائى فى الليلة القابلة فرفع الثور رأسه من علفه فضحك الرجل فقالت امرأته لم تضحك قال لا شئ فلما جاءت الليلة القابلة أعطى الرجل للحمار علفه وللثور علفه وقال الثور اقضنى السلف الذى عندك فانى أمسيت مغلوبا من الجوع والتعب فقال له الحمار انك لا تدرى كيف كان الحال قال الثور وما ذاك قال ان صاحبنا البارحة ذهب وقال لجزار ثورى مريض اذبحه قبل أن يعجف فاصبر الليلة وأسلفنى ايضا عشاءك حتى اذا جاءك الجزاء صباحا وجدك عجيفا ولا يذبحك فتنجو من الموت ولو تعشيت يمتلئ بطنك فيخشى عليك أن يحسبك سمينا فيذبحك انى أرد لك ما أسفلتنى الليلتين فرفع رأسه عن علفه ولم يأكل فضحك الرجل فقالت المرأة لم تضحك اخبرنى والا طلقنى فقال الرجل اذا اخبرتك بما ضحكت اموت من ساعتى فقالت لا أبالى فقال ائتينى بالدواة والقرطاس حتى اكتب وصيتى ثم اخبر ثم اموت فناولته فبينما هو يكتب اذ طرحت المرأة كسرة من الخبز الى الكلب فسبق الديك واخذها بمنقاره قال الكلب ظلمتنى قال الديك صاحبنا يريد الموت فتكون انت شبعانا من وليمة المأتم ولكن نحن نبقى فى مبيتا الى ثلاثة ايام لا يفتح لنا الباب وان يمت برضى امرأته ابعده الله واسخطه فان لى تسع نسوة لا تقدر واحد منهن أن تسأل عن سرى ولو كنت أنا مكانه لأضربنها حتى تموت او تتوب وبعد ذلك لا تسأل عن سر زوجها فأخذ الرجل عصا ولم يزل يضربها حتى ثابت من ذلك

زنى راكه جهلست وبارساتى بلا برسر خود نه زن خواستى

وافادت من التبعيضية فى قوله { ان من ازواجكم } الخ ان منها ما ليس بعدو كما قال عليه السلام "الدنيا كلها متاع وخير متاعها المرأة الصالحة وقال عليه السلام ما استفاد المؤمن بعد تقوى الله خيرا له من زوجة صالحة ان امرها اطاعته وان نظر اليها سرته وان اقسم عليها أبرته وان غاب عنها نصحته فى نفسها وما له" فاذا كانت المرأة على هذه الاوصاف فهى ميمونة مباركة والا فهى مشئومة منحوسة.

كرا خانه آباد وهمخوا به دوست خدارا برحمت نظر سوى اوست

{ وان تعفوا } عن ذنوبهم القابلة للعفو بأن تكون متعلقة بامور الدنيا او بامور الدين لكن مقارنة للتوبة { وتصفحوا } يترك التثريب والتعبير يقال صفحت عن فلان اذا أعرضت عن ذبنه والتثريب عليه { وتغفروا } باخفائها وتمهيد عذرها { فان الله غفور رحيم } يعاملكم بمثل ما عملتم ويتفضل عليكم وهذا كقوله { وان جاهداك على أن تشرك بى ما ليس لك به علم فلا تطعمهما وصاحبهما فى الدنيا معروفا } نزلت فى عوف بن مالك الا شجعى رضى الله عنه كان ذا اهل وولد وكان اذا أراد الغزو بكوه ورققوه وقالوا الى من تدعنا فيرق ويقيم. وأراد الخطيئة وهو شاعر مشهور سفرا فقال لامرأته

عدى السنين لغيبتى وتصبرى وذرى الشهور فانهن قصار

فأجابته

واذكر صبابتنا اليك وشوقنا وارحم بناتك انهن صغار

وقيل ان ناسا من المؤمنين أرادوا الهجرة من مكة فثبطهم ازواجهم واولادهم فزينوا لهم القعود قيل قالوا لهم اين تذهبوا وتدعون بلدكم وعشيرتكم واموالكم فغضبوا عليهم وقالوا لئن جمعنا الله فى دار الهجرة لم نصبكم بخير فلما هاجروا منعوهم الخير فحثوا على أن يعفوا عنهم ويردوا اليهم البر والصلة قال القاشانى وان تعفوا بالمداراة وتصفحوا عن جرآئمهم بالحلم وتغفروا جناياتهم بالرحمة فلا ذنب ولا حرج انما الذنب فى الاحتجاب بهم وافراط المحبة وشدة التعلق لا فى مراعاة العدالة والفضيلة ومعاشرتهم بحسن الخلق فانه مندوب بل اتصاف بصفات الله فان الله غفور رحيم فعليكم بالتخلق باخلاقه وفى الحث على العفو والصفح اشارة الى أن ليس المراد من الامر بالحذر تركهم بالكلية والاعراض عن معاشرتهم ومصاحبتهم كيف والنساء من اعظم نعم الجنة وبها نظام العالم فانه لولا الازواج لما وجد الانبياء والاولياء والعلماء والصلحاء وقد خلق المخلوقات لاجلهم ومن الله على عباده تذكير النعمة حيث قال { خلق لكم من أنفسكم ازواجا } وهذا كما روى عنه عليه السلام انه كان يقول "اتقوا الدنيا والنساء" فان الامر بالاتقاء انما هو للتحذير عما يضر فى معاشرتها لا للترك بالكلية فكما ان الدنيا لا تترك بالكلية ما دام المرء حيا وانما يحذر من التعلق بها ومحبتها الشاغلة عن محبة الله تعالى فكذا النساء ولأمر ما حبب الله اليه عليه السلام النساء وقال عليه السلام "اذا مات الانسان انقطع عنه عمله الا من ثلاث صدقة جارية او علم ينتفع به او ولد صالح يدعو له" كما سبق بيانه فى سورة النجم فقد حث عليه السلام على وجود الولد الصالح ولم يعده من الدنيا بل عده من الخير الباقى فى الدنيا وبه يحصل العمر الثانى وفى الآية اشارة الى أن النفوس الامارة واللوامة واولادها وهى صفات تلك النفوس واخلاقها الشهوانية عدو للانسان يمنعه عن الهجرة الى مدينة القلب فلا بد من الحذر عن متابعتها ومخالتطها بالكلية وتصرفاتها فى جميع الاحوال وأن تعفو عن هفواتهم الباطلة الواقعة منهم فى بعض الاوقات لكونهم مطية لكم وتصفحوا بعد التوبيخ والتعيير وتغفروا بأن تستروا ظلمتهم بنور ايمانكم وشعاع معرفة قلوبكم فان الله غفور ساتر لكم يستر بلطفه رحيم بكم بافاضة رحمته عليكم جعلنا الله واياكم من اهل تقواه ومغفرته وتغمدنا بأنواع رحمته.