التفاسير

< >
عرض

ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ وَمِنَ ٱلأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ ٱلأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِّتَعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ ٱللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً
١٢
-الطلاق

روح البيان في تفسير القرآن

{ الله الذى } الخ مبتدأ وخبر اى الملك القادر الذى { خلق سبع سموات } بيافريد فت آسمان بعضى بالاى بعض.
نكرها للتعظيم المفيد لكمال قدرة صانعها او لكفايته فى المقصود من اثبات قدرته الكاملة على وفق حكمته الشاملة وذلك يحصل باخبار خلقه تعالى سبع سموات من غير نظر الى التعيين { ومن الارض } اى وخلق من الارض { مثلهن } اى مثل السموات السبع فى العدد والطباق وبالفارسية وبيافريد از زمين مانند آسمانها بعضى درتحت بعض.
فقوله مثلهن منصوب بفعل مضمر بعد الواو دل عليه الناصب لسبع سموات وليس بمعطوف على سبع سموات لانه يستلزم الفصل بين حرف العطف وهو صرف واحد وبين المعطوف بالجار والمجرور وصرح سيبويه وابو على بكراهيته فى غير موضع الضرورة واختلف فى كيفية طبقات الارض فالجمهور على انها سبع ارضين طبقا بعضها فوق بعض بين كل ارض وارض مسافة كما بين السماء والارض وفى كل ارض سكان من خلق الله وقال الضحاك مطبقة بعضها فوق بعض من غير فتوق وفرجة اى سوآء كان بالبحار او بغيرها بخلاف السموات قال القرطبى والاول الاصح لان الاخبار دالة عليه كما روى البخارى وغيره من ان كعبا حلف بالذى فلق البحر لموسى
"ان صهيبا حدثه ان النبى عليه السلام لم ير قرية يريد دخولها الا قال حين يراها اللهم رب السموات السبع وما اظللن ورب الارضين السبع وما اقللن ورب الشياطين وما اضللن ورب الرياح وما اذرين نسألك من خير هذه القرية وخير اهلها وخير من فيها ونعوذ بك من شرها وشر اهلها وشر من فيها" (روى) شيبان ابن عبد الرحمن قتادة عن الحسن عن أبى هريرة رضى الله عنه قال بينهما النبى عليه السلام جالس اذا أتى عليهم سحاب فقال "هل تدرون ما هذا العنان" قالوا الله ورسوله اعلم قال "هذه زوايا الارض يسوقها الله الى قوم لا يشكرونه ولا يدعونه" ثم قال "هل تدرون ما الذى فوقكم" قالوا الله ورسوله اعلم قال "فانها الرقيع سقف محفوظ وبحر مكفوف" ثم قال "هل تدرون ما بينكم وبينها" قالوا الله ورسوله اعلم قال "فوقها العرش وبينه وبين السماء كبعد ما بين سماءين او كما قال" ثم قال "هل تدرون ما تحتكم" قالوا الله ورسوله اعلم قال "الارض وتحتها ارض اخرى بينهما خمسمائة عام" ثم قال "والذى نفس محمد بيده لو أنكم ادلتم بحبل لهبطتم على الله" ثم قرأ عليه السلام { هو الاول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شئ عليم } كما فى خريدة العجائب وفى المقاصد الحسنة "لو أنكم وليتم بحبل الى الارض السفلى لهبط على الله" فسره بعض اهل العلم فقال انما هبط على علم الله وقدرته وسلطانه وعلم الله وقدرته وسلطانه فى كل مكان وهو على العرش كما وصف فى كتابه انتهى.
قال شيخنا معناه ان علم الله شمل جميع الاقطار فالتقدير لهبط على علم الله والله تعالى منزه عن الحلول فى الاماكن فالله سبحانه كان قبل أن يحدث الاماكن انتهى كلام المقاصد الحسنة قال بعض العارفين فيه اشارة الى انه ما من جوهر فى العالم العلوى والسفلى الا وهو مرتبط بالحق ارتباط الرب بالمربوب وفى الحديث
"اجتمع املاك عند الكعبة واحد نازل من السماء وواحد صاعد من الارض السفلى وثالث من ناحية المشرق ورابع من ناحية المغرب فسأل كل واحد صاحبه من اين جئت فكلهم قالوا من عند الله" ثم نرجع ونقول فالارض بعضها فوق بعض وغلظ كل ارض مسيرة خمسمائة عام وكذا ما بينهما على ما دل عليه حديث ابى هريرة وفى الحديث "من اخذ من الارض شبرا بغير حقه خسف به يوم القيامة الى سبع ارضين" قال ابن الملك وفيه اشعار بأن الارض فى الآخرة ايضا سبع طباق وفى الكواشى قيل ما فى القرءآن آية تدل على ان الارضين سبع الا هذه الآية وان ما يبن كل سمائين مسيرة خمسمائة عام وكذا غلظ كل سماء والارضون مثل السموات فكما ان فى كل سماء نوعا من الملائكة يسبحون الله ويقدسونه ويحمدونه فكذا لكل ارض اهل على صفة وهيئة عجيبة ولكل ارض اسم خاص كما ان لكل سماء اسما خاصا وعن ابن عباس رضى الله عنهما ان نافع بن الازرق سأله هل تحت الارضين خلق قال نعم قال فما الخلق قال اما ملائكة او جن وعن عطاء بن يسار فى هذه الآية فى كل ارض آدم كآدمكم ونوح مثل نوحكم وابراهيم مثل ابراهيمكم وعيسى كعيساكم قالوا معناه ان فى كل ارض خلق الله لهم سادة يقومون عليهم مقام آدم ونوح وابراهيم وعيسى فينا قال السخاوى فى المقاصد الحسنة حديث الارضون سبع فى كل ارض من الخلق مثل ما فى هذه حتى آدم كآدمكم وابراهيم كابراهيمكم وهو مجهول ان صح نقله عن ابن عباس رضى الله عنهما على انه اخذه عن الاسرآئيليات اى اقاويل بنى اسرآئيل مما ذكر فى التوراة او اخذه من علمائهم ومشايخهم كما فى شرح النخبة وذلك وامثاله اذا لم يخبر به ويصح سنده الى معصوم فهو مردود على قائله انتهى كلام المقاصد مع تفسير الاسرائيليات وقال فى انسان العيون قد جاء عن ابن عباس رضى الله عنهما فى قوله تعالى { ومن الارض مثلهن } قال سبع ارضين فى كل ارض نبى كنبيكم وآدم كآدمكم ونوح كنوحكم وابراهيم كابراهيمكم وعيسى كعيساكم رواه الحاكم فى المستدرك وقال صحيح الاسناد وقال البيهقى اسناده صحيح لكنه شاذ بالمرة اى لانه لا يلزم من صحة الاسناد صحة المتن فقد يكون فيه مع صحة اسناده ما يمنع صحته فهو ضعيف قال الجلال السيوطى ويمكن أن يؤول على ان المراد بهم النذر الذين كانوا يبلغون الجن عن انبياء البشر ولا يبعد أن يسمى كل منهم باسم النبى الذى يبلغ عنه هذا كلامه وحينئذ كان لنبينا عليه السلام رسول من الجن اسمه كاسمه ولعل المراد اسمه المشهور وهو محمد فليتأمل انتهى ما فى انسان العيون ونظير هذا المقام قول حضرة الشيخ الشهير بافتاده خطابا لحضرة محمود الهدائى قدس سرهما الآن عوالم كثيرة يتكلم فيها محمود وافتاده كثير قال فى خريدة العجائب وليس هذا القول اى خبر فى كل ارض آدم الخ بأعجب من قول الفلاسفة ان الشموس شموس كثيرة والاقمار اقمار كثيرة ففى كل اقليم شمس وقمر ونجوم وقالت القدماء الارض سبع على المجاورة والملاصقة وافتراق الاقاليم لا على المطابقة والمكابسة واهل النظر من المسلمين يميلون الى هذا القول ومنهم من يرى ان الارض سبع على الانخفاض والارتفاع كدرج المراقى (حكى) الكلبى عن ابى صالح عن ابى عباس رضى الله عنهما انها سبع ارضين متفرقة بالبحار يعنى الحائل بين كل ارض وارض بحار لا يمكن قطعها ولا الوصول الى الارض الاخرى ولا تصل الدعوة اليهم وتظل الجميع السماء قال الماوردى وعلى هذا اى وعلى انها سبع ارضين وفى كل ارض سكان من خلق الله تختص دعوة الاسلام بأهل الارض العليا دون من عداهم وان كان فيهن من يعقل من خلق وفى مشاهدتهم السماء واستمدادهم الضوء منها قولان احدهما انهم يشاهدون السماء من كل جانب من ارضهم ويستمدون الضياء منها وهذا قول من جعل الارض مبسوطة والثانى انهم لا يشاهدون السماء وان الله خلق لهم ضياء يشاهدونه وهذا قول من جعل الارض كرة قال سعدى المفتى وقد تؤول الآية تارة بالاقاليم السبعة اى فتكون الدعوة شاملة لجميعها وتارة بطبقات العناصر القوابل بالنسبة الى الاثيريات فهى ارضها التى ينزل عليها منها الصور الكائنة وهى النار الصرفة والطبقة الممتزجة من النار والهواء المسماة كرة الاثير التى فيها الشهب وذوات الاذناب وغيرها وطبقة الزمهرير وطبقة النسيم وطبقة الصعيد والماء المشحونة بالنسيم الشاملة للطبقة الطينية التى هى السادسة وطبقة الارض الصفرة عند المركز وان حملناها على مراتب الغيوب السبعة المذكورة من غيب القوى والنفس والعقل والسر والروح والخفى غيب الغيوب اى عين جمع الذات فالارضون هى الاعضاء السبعة المشهورة وفى التأويلات النجمية هى طبقات القوب من الصدر والقلب والفؤاد والروع والشغاف والمهجة والروح واراضى النفوس وهى النفس الأمارة واللوامة والملهمة والمطمئنة والنفس المعدنية
والنباتية والحيوانية { يتنزل الامر } اى امر الله واللام عوض عن المضاف اليه { بينهن } اى بين السموات السبع والارضين السبع والظاهران الجملة استئنافية للاخبار عن شمول جريان حكمه ونفوذ امره فى العلويات والسفليات كلها فالامر عند الاكثرين القضاء والقدر بمعنى يجرى قضاؤه وينفذ حكمه بين السماء السابعة التى هى اعلى السموات وبين الارض السابعة التى هى اسفل الارضين ولا يقتضى ذلك أن لا يجرى فى العرش والكرسى لان المقام اقتضى ذكر ما ذكره والتخصيص بالذكر لا يقتضى التخصيص بالحكم كذ قالوا
يقول الفقير تحقيق هذا المقام يستدعى تمهيد مقدمة وهى انه استوى الامر الارادى الايجادى على العرش كما استوى الامر التكليفى الارشادى على الشرع الذى هو مقلوب العرش والتجليات الايجادية الامرية المتنزلة بين السموات السبع والارضين السبع موقوفة على استوآء امر تمام حصول الاركان الاربعة على العرش وتلك الامور الاربعة هى الحركة المعنوية الاسمائية والحركة النورية الروحانية والحركة الطبيعية المثالية والحركة الصورية الحسية وهى حركة العرش فالعرش مستوى امره الايجادى لا مستوى نفسه تعالى عن ذلك ومنه ينزل الامر الالهى بينهن وهى التجليات الالهية الدنيوية والبرزخية والحشرية والنيرانية والجنانية وكلها تجليات وجودية اشير اليها بقوله تعالى
{ كل يوم هو فى شأن } وبقوله { يعلم ما يلج فى الارض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها } واما التجليات الشهودية فما كانت وتكون فى الدنيا والآخرة لقلوب اهل الكمال وارواحهم واسرارهم من الانبياء العظام والاولياء الكرام فمعنى الآية يتنزل امر الله بالايجاد والتكوين وترتيب النظام والتكميل بين كل سماء وارض من جانب العرش العظيم ابدا دآئما لان الله تعالى لم يزل ولا يزال خالقا فى الدنيا والآخرة فيغنى ويعدم عوالم ويوجد ويظهر عوالم اخرى لا نهاية لشؤونه فهو كل يوم وآن فى امر وشأن بحسب مقتضيات استعدادات اهل العصر وموجبات قابليات اصحاب الزمان { لتعلموا ان الله على كل شئ قدير } متعلق بخلق او يتنزل او بما يعلمهما اى فعل ذلك لتعملوا ان من قدر على ما ذكر قادر على كل شئ ومنه البعث للحساب والجزاء فتطيعوا امره وتقبلوا حكمه وتستعدوا لكسب السعادة والخلاص من الشقاوة واللام لام المصلحة والحكمة لان فعله تعالى خال عن العبث (روى) عن الامام الاعظم انه قال ان هذه الآية من أخوف الآيات فى القرءآن لا لام الغرض فانه تعالى منزه عن الغرض اذ هو لمن له الاحتياج والله غنى عن العالمين { وان الله قد احاط بكل شئ علما } كما أحاط به قدرة لاستحالة صدور الافاعيل المذكورة ممن ليس كذلك والاحاطة العلم البالغ وبالفارسية وبدرستى كه فرارسيده است بهمه جيزازروى علم يعنى علم وقدرت او محيط است بهمه اشيا از موجودات علمى وعينى هيج جيز ازدائره علم وقدرت او خارج نيست

رمزيست زسر قدرتش كن فيكون بادانش او يكيست بيرون ودرون
درغيب وشهادة ذره نتوان يافت از دائره قدرت وعلمش بيرون

ويجوز أن يكون العامل فى اللام بيان ما ذكر من الخلق وتنزل الامر اى اوحى ذلك وبينه لتعلموا بما ذكر من الامور التى تشاهدونها والتى تتلقونها من الوحى من عجائب المصنوعات انه لا يخرج عن علمه وقدرته شئ ما اصلا قوله علما نصب على التمييز اى أحاط علمه بكل شئ كما فى عين المعانى أو على المصدر المؤكد لان المعنى وان الله قد علم كل شئ علما كما فى فتح الرحمن قال البقلى قدس سره لو كان للانسان قدرة المعرفة كالارواح لم يخاطبه بالعلل والاستدلال ليعلم برؤية الاشياء وجود الحق وكان كالارواح فى الخطاب بلا علة فى تعريف نفسه اياها يقول ألست بربكم اذ هناك خطاب وشهود وتعريف بغير علة فلما علم عجزه وهو فى عالم الجسم عن حمل واردات الخطاب الصرف أحاله الى الشواهد بقوله خلق سبع سموات الخ وليس بعارف فى الحقيقة من عرفه بشئ من الاشياء او سبب من الاسباب فمن نظر الى خلق الكون يعرف انه ذو قدرة واسعة وذو احاطة شاملة ويخاف من قهره ويذوب قلبه بعلمه فى رؤية اطلاع الحق عليه قال الشيخ نجم الدين فى تأويلاته وفى هذه الآية الكريمة غوامض من اسرار القرءآن مكنونة ويدل عليه قول ابن عباس رضى الله عنهما لما سئل عن هذه الآية وقال لو فسرتها لقطعوا حلقومى ورجمونى والمعنى الذى أشار اليه رضى الله عنه مما لا يعبر عنه ولا يشار اليه ولكن يذاق.