التفاسير

< >
عرض

فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُواْ ذَوَىْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُواْ ٱلشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً
٢
-الطلاق

روح البيان في تفسير القرآن

{ فاذا بلغن } بس جون برسدزنان { اجلهن } اى شارفن آخر عدتهن وهى مضى ثلاث حيض ولو لم تغتسل من الحيضة الثالثة وذلك لانه لا يمكن الرجعة بعد بلوغهن آخر العدة فحمل البلوغ على المشارفة كما قال فى المفردات البلوغ والبلاغ الانتهاء الى اقصى القصد والمبتغى مكانا كان او زمانا او أمرا من الامور المقدرة وربما يعبر به عن المشارفة عليه وان لم ينته اليه مثل فاذا بلغن الخ فانه للمشارفة فانها اذا انتهت الى اقصى الاجل لا يصح للزوج مراجعتها وامساكها والاجل المدة المضروبة للشئ { فأمسكوهن } اى فأنتم بالخيار فان شئتم فراجعوهن والرجعة عند ابى حنيفة تحصل بالقول وكذا بالوطئ واللمس والنظر الى الفرج بشهودة فيهما { بمعروف } بحسن معاشرة وانفاق لائق وفى الحديث "اكمل المؤمنين احسنهم خلقا وألطفهم بأهله" { او فارقوهن } يا جدا شويد از ايشان وبكذاريد { بمعروف } بايفاء الحق واتقاء الضرار بأن يراجعها ثم يطلقها تطويلا للعدة { وأشهدوا } كواه كيريد.
اى عند الرجعة والفرقة قطعا للتنازع اذ قد تنكر المرأة بعد انقضاء العدة رجعته فيها وربما يموت احدهما بعد الفرقة فيدعى الباقى منهما ثبوت الزوجية لاخذ الميراث وهذا امر ندب لا وجوب { ذوى عدل } تثنية ذا منصوب ذو بمعنى الصاحب اى أشهدوا اثنين { منكم } اى من المسلمين كما قال الحسن او من احراركم كما قاله قتادة يكونان عادلين لا ظالمين ولا فاسقين والعدالة هى الاجتناب عن الكبائر كلها وعدم الاصرار على الصغائر وغلبة الحسنات على السيئات والالمام من غير اصرار لا يقدح فى العدالة اذ لا يوجد من البشر من هو معصوم سوى الانبياء عليهم السلام كذا فى الفروع { واقيموا الشهادة } ايها الشهود عند الحاجة خالصة { لله } تعالى وذلك ان يقيموها للمشهود له وعليه لا لغرض من الاغراض سوى اقامة الحق ودفع الظلم فلو شهد لغرض لا لله برئ بها من وبال كتم الشهادة لكن لا يثاب عليها لان الاعمال بالنيات والحاصل ان الشهادة امانة فلا بد من تأدية الامانة كما قال تعالى
{ ان الله يأمركم ان تؤدوا الأمانات الى اهلها } فلو كتمها فقد خان والخيانة من الكبائر دل عليه قوله تعالى { ومن يكتمها فانه آثم قلبه } { ذلكم } اشارة الى الحث على الشهادة والاقامة او على جميع ما فى الآية من ايقاع الطلاق على وجه السنة واحصاء العدة والكف عن الاخراج والخروج والاشهاد واقامة الشهادة بادآئها على وجهها من غير تبديل وتغيير { يوعظ به } الوعظ زجر يقترن بتخويف { من كان يؤمن بالله واليوم الآخر } اذ هو المنتفع به والمقصود تذكيره ولم يقل ذلكم توعظون به كما فى سورة المجادلة لتهييج المؤمنين على الغيرة فان من لا غيرة له لا دين له ومن مقتضى الايمان بالله مراعاة حقوق المعبودية والربوبية وباليوم الآخر الخوف من الحساب والعذاب والرجاء للفضل والثواب فالمؤمن بهما يستحيى من الخالق والخلق فلا يترك العمل بما وعظ به ودلت الآية على ان للانسان يومين اليوم الاول هو يوم الدنيا واليوم الآخر هو يوم الآخرة واليوم عرفا زمان طلوع الشمس الى غروبها وشرعا زمان طلوع الفجر الثانى الى غروب الشمس وهذان المعنيان ليسا بمرادين هنا وهو ظاهر فيكون المراد مطلق الزمان ليلا او نهارا طويلا كان او قصيرا وذلك الزمان اما محدود وهو زمان الدنيا المراد باليوم الاول او غير محدود وهو زمان الآخرة المراد باليوم الآخر الذى لا آخر له لتأخيره عن يوم الدنيا وجوزوا ان يكون المراد من اليوم الآخر ما يكون محدود ايضا من وقت النشور الى ان يستقر الفريقان مقرهما من الجنة والنار فعلى هذا يمكن ان يكونا مستعارين من اليومين المحدودين بالطلوع والغروب اللذين بينهما زمان نوم ورقدة ويراد بما بين ذينك الزمانين زمان القرار فى القبول قبل النشور كما قال تعالى حكاية { من بعثنا من مرقدنا } وعلى هذا يقال ليوم الآخرة غد كما مر فى اواخر سورة الحشر قال بعض الكبارعلمك باليقظة بعد النوم وعلمك بالبعث بعد الموت والبرزخ واحد غير ان للبرزخ بالجسم تعلقا فى النوم لا يكون بالموت وكما تستيقظ على ما نمت عليه كذلك تبعث على ما مت عليه فهو امر مستقر فالعاقل يسعى فى اليوم المنقطع اليوم لا ينقطع ويحيى على الايمان والعمل ليكون موته ونشره عليهما { ومن يتق الله } فى طلاق البدعة فطلق للسنة ولم يضار المعتدة ولم يخرجها من مسكنها واحتاط فى الاشهاد وغيره من الامور { يجعل له مخرجا } مصدر ميمى اى خروجا وخلاصا مما عسى يقع فى شأن الازواج من الغموم والوقوع فى المضايق ويفرج عنه ما يعتريه من الكروب وبالفارسية بيرون شدن.
وقال بعضهم هو عام اى ومن يتق الله فى كل ما يأتى وما يذر يجعل له خروجا من كل ضيق يشوش البال ويكدر الحال وخلاصا من غموم الدنيا والآخرة فيندرج فيه ما نحن فيه اندراجا أوليا وعن النبى عليه السلام انه قرأها فقال
"مخرجا من شبهات الدنيا ومن غمرات الموت ومن شدائد يوم القيامة" وفى الجلالين "من الشدة الى الرخاء ومن الحرام الى الحلال ومن النار الى الجنة" او اسم مكان بمعنى يخرجه الى مكان يستريح فيه وفى فتح الرحمن يجعل له مخرجا الى الرجعة وعن ابن عباس رضى الله عنهما انه سئل عمن طلق امرأته ثلاثا او ألفا هل له من مخرج فقال لم يتق الله فلم يجعل له مخرجا بانت منه بثلاث والزيادة اثم فى عنقه ويقال المخرج على وجهين احدهما ان يخرجه من تلك الشدة والثانى ان يكرمه بالرضى والصبر فانه من قبيل العافية ايضا كما قال عليه السلام "واسأل الله العافية من كل بلية" فالعافية على وجهين احدهما ان يسأله أن يعافيه من كل شئ فيه شدة فان الشدة انما يحل اكثرها من اجل الذنوب فكأنه سأل ان يعافيه من البلاء ويعفو عنه الذنوب التى من اجلها تخل الشدة بالنفس والثانى انه اذا حل به بلاء ان لا يكله الى نفسه ولا يخذله وان يكلأه ويرعاه وفى هذه المرتبة يصير البلاء ولاء والمحنة منحة والمقت مقة والألم لذة والصبر شكرا ولا يتحقق بها الا الكمل.