التفاسير

< >
عرض

أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ وَلاَ تُضَآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُواْ عَلَيْهِنَّ وَإِن كُنَّ أُوْلاَتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُواْ عَلَيْهِنَّ حَتَّىٰ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُواْ بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَىٰ
٦
-الطلاق

روح البيان في تفسير القرآن

{ أسكنوهن من حيث سكنتم } استئناف وقع جوابا عن سؤال نشأ مما قبله من الحث على التقوى كأنه قيل كيف نعمل بالتقوى فى شان المعتدات فقيل اسكنوهن من حيث سكنتم اى بعض مكان سكناكم والخطاب للمؤمنين المطلقين { من وجدكم } اى من وسعكم اى مما تطيقونه يعنى مسكن ايان بقدر طاقت وتواناى خويش سازيد والوجد القدرة والغنى يقال افتقر فلان بعد وجده وهو عطف بيان لقوله من حيث سكنتم وتفسير له وفى عين المعانى ومن لتبيين الجنس لما فى حيث من الابهام انتهى واعترض عليه ابو حيان بأنه لم يعهد فى عطف البيان اعادة العامل انما عهد ذلك فى البدل فالوجه جعله بدلا قال قتادة ان لم يكن الا بيت واحد اسكنها فى بعض جوانبه قال صاحب اللباب ان كانت الدار التى طلبها فيها ملكه يجب عليه أن يخرج منها ويترك الدار لها مدة عدتها وان كانت باجرة فعليه الاجرة وان كانت عارية فرجع المعير فعليه ان يكترى لها دارا تسكنها قال فى كشف الاسرار واما المعتدة من وطئ الشبهة والمفسوخ نكاحها بعيب او خيار عتق فلا سكنى لها ولا نفقة وان كانت حاملا { ولا تضاروهن } اى ولا تقصدوا عليهن الضرر فى السكنى بأى وجه كان فان المفاعلة قد لا تكون للمشاركة وبالفارسية ورنج مرسانيد مطلقات را { لتضيقوا عليهن } فى المسكن ببعض الاسباب من انزال من لا يوافقهن او يشغل مكانهن او غير ذلك وتلجئوهن الى الخروج وبالفارسية براى آنكه تنك كردانيد برايشان مساكن ايشان.
وفيه حث المروءة والمرحمة ودلالة على رعاية الحق السابق حتى يتيسر لها التدارك فى امر المعيشة من تزوج آخر أو غيره { وان كن } اى المطلقات { اولات حمل } ذوات حبل وبالفارسية خدواندبار.
يعنى حاملة واولات منسوب بالكسر على قانون جمع المؤنث وتنوين حمل للتعميم يعنى اى حمل كان قريب الوضع او بعيده { فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن } فيخرجن من العدة وتتخلصوا من كلفة الاحصاء ويحل لهن زوج غيركم ايا شئن فالبائن بالطلاق اذا كانت حاملا لها النفقة والسكنى بالانفاق واما البائن الحائل اى غير الحامل فتستحق النفقة والسكنى عند أبى حنيفة كالحامل الى أن تنقضى عدتها بالحيض او بالاشهر خلافا للثلاثة واما المتوفى عنهن ازواجهن فلا نفقة لهن من التركة ولا سكنى بل تعتد حيث تشاء وان كن اولات حمل لوقوع الاجماع على ان من اجبر الرجل على النفقة عليه من امرأة او ولد صغير لا يجب أن ينفق عليه من ماله بعد موته فكذا المتوفى عنها الحامل وهو قول الاكثرين قال ابو حنيفة تجب النفقة والسكنى لكل مطلقة سوآء كانت مطلقة بثلاث او واحدة رجعية او بائنة ما دامت على العدة اما المطلقة الرجعية فلانها منكوحة كما كانت وانما يزول النكاح بمضى العدة وكونه فى معرض الزوال بمضى العدة لا يسقط نفقتها كما لو آلى وعلق طلاقها بمضى شهر فالمطلقة الرجعية لها النقة والسكنى بالاجماع واما المبتوتة فعندنا لها النفقة والسكنى ما دامت فى العدة لقوله تعالى { اسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم } اذا المعنى اسكنوا المعتدات مكانا من المواضع التى تسكنونها وأنفقوا عليهن فى العدة من سعتكم لما قرأ ابن مسعود رضى الله عنه اسكنوهن من حيث سكنتم وأنفقوا عليهن من وجدكم وعند الشافعى لها السكنى لهذه الآية ولا نفقة لها الا أن تكون حاملا لقوله تعالى { وان كن اولات حمل } الخ فان قلت فاذا كانت كل مطلقة عندكم يجب لها النفقة فما فائدة الشرط فى قوله { وان كن اولات حمل } الخ قلت فائدته ان مدة الحمل ربما طالت فظن ظان ان النفقة تسقط اذا مضى مقدار عدة الحامل فنفى ذلك الوهم كما فى الكشاف { فان أرضعن لكم } الرضاع لغة شرب اللبن من الضرع او الثدى وشريعة شرب الطفل حقيقة او حكما لللبن خالص او مختلط غالبا من آدمية فى وقت مخصوص والارضاع شيردادن يعنى هؤلاء المطلقات ان ارضعن لكم ولدا من غيرهن او منهن بعد انقطاع عصمة الزوجية وعلاقة النكاح قال لكم ولم يقل اولادكم لما قال تعالى
{ والوالدات يرضعن اولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة } فالاب يجب عليه ارضاع الولد دون الام وعليه أن يتخذ له ظئرالا اذا تطوعت الام بارضاعه وهى مندوبة الى ذلك ولا تجبر عليه ولا يجوز استئجار الام عند أبى حنيفةرحمه الله ما دامت زوجة معتدة من نكاح { فآتوهن اجورهن } على الارضاع ان طلبن او رجون فان حكمهن فى ذلك حكم الاظئآر حينئذ قال فى اللباب فان طلقها فلا يجب عليها الارضاع الا أن لا يقبل الولد ثدى غيرها فيلزمها حينئذ فان اختلفا فى الاجر فان دعت الى اجرة المثل وامتنع الأب الا تبرعا فالام اولى بأجر المثل اذ لا يجد الأب متبرعة وان دعا الأب على اجر المثل وامتنعت الام لتطلب شططا فالأب اولى به فان اعسر الأب بأجرتها اجبرت على ارضاع ولدها انتهى ان قيل ان الولد للأب فلم لا يتبعه فى الحرية والرقية بل يتبع الام لانها اذا كانت ملكا لغير الأب كان الولد ملكا له وان كان الأب حرا واذا كانت حرة كان الولد حرا وان كان الأب رقيقا اجيب أن الفقهاء قالوا فى وجهه رجح ماء الام على ماء الأب فى الملكية لان ماءها مستقر فى موضع وماء الأب غير معلوم أفادت هذه المسألة ان الماليكة تغلب الوالدية والتحقيق ان الاحكام شرعية لا عقلية والعلم عند شارعها يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد { وائتمروا } ايها الآباء والامهات { بينكم } ميان يكدركر دركار فرزند { بمعروف } اى تشاوروا وحقيقته ليأمر بعضكم بعضا بجميل فى الارضاع والأجر وهو المسامحة ولا يكن من الاب مماكسة ولا من الام معاسرة لانه ولدهما معا وهما شريكان فيه فى وجوب الاشفاق عليه فالائتمار بمعنى التآمر كالاشتوار بمعنى التشاور يقال ائتمر القوم وتأمروا اذا امر بعضهم بعضا يعنى الافتعال قد يكون بمعنى التفاعل وهذا منه { وان تعاسرتم } يقال تعاسر القوم اذا تحروا تعسير الامر اى تضايقتم وبالفارسية واكر دشوار كنيد ومضايقه نماييد اى بدر ومادر رضاع ومزد دادن يعنى شوهر از اجرا باكند يازن شيرندهد { فسترضع له } اى للأب كما فى الكشاف وهو الموافق لقوله فان ارضعن لكم او للصبى والولد كما فى الجلالين وتفسير الكاشفى ونحوهما وفيه ان الظاهر حينئذ أن يقول فسترضعه { اخرى } اى فستوجد ولا تعوز مرضعة اخرى غير الام ترضعه يعنى مرددايه كيرد براى رضيع خود ومادررا باكراه واجبار نفر مايد.
وفيه معاتبة للام على المعاسرة كما تقول لمن تستقضيه حاجة فيتوانى سيقضيها غيرك تريد ان تبقى غير مقضية فأنت ملوم قال سعدى المفتى ولا يخلو عن معاتبة الأب ايضا حيث اسقط فى الجواب عن حيز شرف الخطاب مع الاشارة الى انه ان ضويقت الام فى الاجر فامتنعت من الارضاع لذلك فلا بد من ارضاع امرأة اخرى وهى ايضا تطلب الأجر فى الأغلب الا كثر والام اشفق واحن فهى به اولى وبما ذكرنا يظهر كمال الارتباط بين الشرط والجزاء.