التفاسير

< >
عرض

وَإِذْ أَسَرَّ ٱلنَّبِيُّ إِلَىٰ بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ ٱللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَـٰذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْخَبِيرُ
٣
-التحريم

روح البيان في تفسير القرآن

{ واذ اسر النبى } الاسرار خلاف الاعلان ويستعمل فى الاعيان والمعانى والسر هو الحديث المكتتم فى النفس واسررت الى فلان حديثا افضيت به اليه فى خفية فالاسرار الى الغير يقتضى اظهار ذلك لمن يفضى اليه بالسر وان كان يقتضى اخفاءه من غيره فاذا قولهم اسررت الى فلان يقتضى من وجه الاظهار ومن وجه الاخفاء والنبى رسول الله عليه السلام فان اللام للعهد واذ ظرف اى اذكر الحادث وقت الاسرار والأكثر المشهور انه مفعول اى واذكر يا محمد وقت اسرار النبى واخفائه على وجه التأنيب والتعتب او واذكروا أيها المؤمنون فالخطاب ان كان له عليه السلام فالاظهار فى مقام الاضمار بأن قيل واذ أسررت للتعظيم بايراد وصف ينبئ عن وجوب رعاية حرمته ولزوم حماية حرمه عما يكرهه وان كان لغيره عموما على الاشتراك او خصوصا على الانفراد وذكره بوصف النبى للاشعار بصدقه فى دعوى النبوة { الى بعض ازواجه } وهى حفصة رضى الله عنها تزوجها النبى عليه السلام فى شعبان على رأس ثلاثين شهرا من الهجرة قبل احد بشهرين وكانت ولادتها قبل النبوة بخمس سنين وقريش تبنى البيت وماتت بالمدينة فى شعبان سنة خمس واربعين وصلى عليها مروان بن الحكم وهو امير المدينة يومئذ وحمل سريرها وحمله ايضا أبو هريرة وقد بلغت ثلاثا وستين سنة وأبو حفص أبوها عمر رضى الله عنه كناه به رسول الله عليه السلام وحفص ولد الاسد { حديثا } قال الراغب كل كلام يبلغ الانسان من جهة السمع او الوحى فى يقظته او منامه يقال له حديث والمراد حديث تحريم مارية او العسل اوامر الخلافة قال سعدى المفتى فيه ان تحريم العسل ليس مما اسر الى حفصة بل كان ذلك عند عائشة وسودة وصفية رضى الله عنهن { فلما نبأت به } اى اخبرت حفصة صاحبتها التى هى عائشة بالحديث الذى اسره اليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأفشته اليها { واظهره الله عليه } اى أطلع الله النبى على افشاء حفصة ذلك الحديث على لسان جبريل فالضمير راجع الى الحديث بتقدير المضاف واظهر ضمن معنى اطلع من ظهر فلان السطح اذا علاه وحقيقته صار على ظهره واظهره على السطح اى رفعه عليه فاستعير للاطلاع على الشئ وهو من باب الافعال بمعنى بررسانيدن كسى را برنهانى وديده وركردانيدن.
قال الراغب ظهر الشئ اصله أن يحصل شئ على ظهر الارض فلا يخفى وبطن اذا حصل فى بطنان الارض فيحقى ثم صار مستعملا فى كل بارز للبصر والبصيرة { عرف } ألنبى حفصة والتعريف بالفارسية بيا كاهيدن { بعضه } اى بعض الحديث الذى افشته الى صاحبتها على طريق العتاب بأن قال لها ألم أك امرتك أن تكتمى سرى ولا تبديه لأحد وهو حديث الامامة (روى) انه عليه السلام لما عاتبها قالت والذى بعثك بالحق ما ملكت نفسى فرحا بالكرامة التى خص الله بها أباها وبعض الشئ جزء منه { واعرض عن بعض } اى عن تعريف بعض تكرما وهو حديث مارية وقال بعضهم عرف تحريم الامة واعرض عن تعريف امر الخلافة كراهة أن ينتشر ذلك فى الياس وتكرما منه وحلما وفيه جواز اظهار الشيوخ الفراسة والكرامات لمريديهم لتزيد رغبتهم فى الطريقة وفيه حث على ترك الاستقصاء فيما جرى من ترك الأدب فانه صفة الكرام قال الحسن البصرى قدس سره ما استقصى كريم قط وقال بعضهم ما زال التغافل من فعل الكرام { فلما نبأها به } اى اخبر النبى حفصة بالحديث الذى أفشته بما اظهره الله عليه من انها افشت سره { قالت من انبأك هذا } من أخبرك عنى هذا تعنى افشاءها للحديث ظنت أن عائشة اخبرته وفيه تعجب واستبعاد من اخبار عائشة بذلك لانها اوصتها بالكتم ولم يقل من نبأك ليوافق ما قبله للتفنن { قال } النبى عليه السلام { نبأنى } بفتح ياء المتكلم { العليم الخبير } الذى لا يخفى عليه خافية فسكتت وسلمت ونبأ ايضا من قبيل التفنن يقال ان انبأ ونبأ يتعديان الى مفعولين الى الاول بنفسهما والى الثانى بالباء وقد يحذف الاول للعلم به وقد يحذف الجار ويتعدى الفعل الى الثانى بنفسه ايضا فقوله تعالى فلما نبأها به على الاستعمال الاول وقوله فلما نبأت به على الاستعمال الثانى وقوله من أنباك على الاستعمال الثالث وقوله العليم هو والعالم والعلامة من اسمائه سبحانه ومن أدب من علم انه سبحانه عالم بكل شئ حتى بخطرات الضمائر ووساوس الخواطر أن يستحيى منه ويكف عن معاصيه ولا يغتر بجميل ستره ويخشى بغتات قهره ومفاجأة مكره وعن بعضهم انه قال كنت جائعا فقلت لبعض معارفى انى جائع فلم يطعمنى شيأ فمضيت فوجدت درهما ملقى فى الطريق فرفعته فاذا عليه مكتوب اما كان الله عالما بجوعك حتى طلبت من غيره والخبير بمعنى العليم وقال الامام الغزالى قدس سره اذا اعتبر العلم المطلق فهو العليم مطلقا واذا أضيف الى الغيب والامور الباطنه فهو الخبير واذا أضيف الى الامور الظاهرة فهو الشهيد واذا علم العبد انه تعالى خبير بأفعاله مطلع على سره علم انه تعالى احصى عليه جميع ما عمله او اخفى فى عمله وان كان هو قد نسيه فيخجل خجلا يكاد يهلكه (حكى) ان رجلا تفكر يوما فقال عمرى كذا كذا سنة يكون كذا كذا شهرا يكون منها كذا كذا يوما فبلغ عمره من الايام ألوفا كثيره فقال لو لم اعص الله كل يوم الا معصية واحدة لكان فى ديوان عملى كذا كذا ألف معصية وانى فى كل يوم عملت كثيرا من المعاصى ثم صاح وفارق الدنيا (يقول الفقير).

مذنبم كرجه ولى رب غفوريم كرست بمن افناده دهد از كرمش شايد دست