التفاسير

< >
عرض

إِن تَتُوبَآ إِلَى ٱللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاَهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلاَئِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ
٤
-التحريم

روح البيان في تفسير القرآن

{ أن تتوبا الى الله } خطاب لحفصة وعائشة رضى الله عنهما فالالتفات من الغيبة الى الخطاب للمبالغة فى الخطاب لكن العتاب يكون للاولياء كما ان العقاب يكون للاعدآء كما قيل

اذا ذهب العتاب فليس ود ويبقى الود ما بقى العتاب

ففيه ارادة خير لحفصة وعائشة بارشادهما الى ما هو اوضح لهما { فقد صغت قلوبكما } الفاء للتعليل كما فى قولك اعبد ربك فالعبادة حق والا فالجزاء يجب أن يكون مرتبا على الشرط مسببا عنه وصغو قلبيهما كان سابقا على الشرط وكذا الكلام فى وان تظاهرا الخ والمعنى فقد وجد منكما ما يوجب التوبة من ميل قلوبكما عما يجب عليكما من مخالصة رسول الله وحب ما يحبه وكراهة ما يكرهه من صغا يصغو صغوا مال واصغى اليه مال بسمعه قال الشاعر

تصغى القلوب الى اغر مبارك من آل عباس بن عبد المطلب

وجمع القلوب لئلا يجمع بين تثنيتين فى كلمة فرارا من اجتماع المتجانسين وربما جمع { وان تظاهرا عليه } باسقاط احدى التاءين وهو تفاعل من الظهر لانه اقوى الاعضاء اى تتعاونا على النبى عليه السلام بما يسوءه من الافراط فى الغيرة وافشاء سره وكانت كل منكما ظهرا لصاحبتها فيه { فان الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين } قوله هو مبتدأ ثان جيء به لتقوى الحكم لا للحصر والا لانحصرت الولاية له عليه السلام فى الله تعالى فلا يصح عطف ما بعده عليه وقوله وجبريل عطف على موضع اسم ان بعد استكمالها خبرها وكذا قوله وصالح المؤمنين واليه مال السجاوندىرحمه الله اذ وضع علامة الوقف على المؤمنين والظاهر ان صالح مفرد ولذلك كتبت الحاء بدون واو الجمع ومنهم من جوز كونه جمعا بالواو والنون وحذفت النون بالاضافة وسقطت واو الجمع فى التلفظ لالتقاء الساكنين وسقت فى الكتابة ايضا حملا للكتابة على اللفظ نحو يمح الله الباطل ويدع الانسان وسندع الزبانية الى غير ذلك والمعنى فلن يعدم هو اى النبى عليه السلام من يظاهره فان الله هو ناصره وجبريل رئيس الملائكة المقربين قرينه ورفيقه ومن صلح من المؤمنين اتباعه واعوانه فيكون جبريل وما بعده اى على تقدير العطف داخلين فى الولاية لرسول الله ويكون جبريل ايضا ظهيرا له بدخوله فى عموم الملائكة ويجوز أن يكون الكلام قد تم عند قوله مولاه ويكون جبريل مبتدأ وما بعده عطفا عليه وظهير خبر للجميع تختص الولاية بالله قال ابن عباس رضى الله عنهما أراد بصالح المؤمنين أبا بكر وعمر رضى الله عنهما قال فى الارشاد هو اللائق بتوسيطه بين جبريل والملائكة فانه جمع بين الظهير المعنوى والظهير الصورى كيف لاوان جبريل ظهيره يؤيده بالتأييدات الالهية وهما وزيراه فى تدبير امور الرسالة وتمشية الاحكام ظاهرة ومعاون آن حضرت كه رضاى او بررضاى فرزندان خود ايثار كنند.
ولأن بيان مظاهرتهما له عليه السلام اشد تأثيرا فى قلوب بنتيهما وتوهينا لامرهما فكان حقيقا بالتقدم بخلاف ما اذا أريد به جنس الصالحين كما هو المشهور وعن بعضهم ان المراد بصالح المؤمنين الاصحاب او خيارهم وعن مجاهد هو على رضى الله عنه يقول الفقير يؤيده قوله عليه السلام يا على أنت منى بمنزلة هرون من موسى فان الصالحين الانبياء هم عليه السلام كما قال تعالى
{ وكلا جعلنا صالحين } وقال حكاية عن يوسف الصديق عليه السلام { وألحقنى بالصالحين } فاذا كان على بمنزلة هرون فهو صالح مثله وقال السهيلىرحمه الله لفظ الآية عام فالاولى حملها على العموم قال الراغب الصلاح ضد الفساد الذى هو خروج الشئ عن الاعتدال والانتفاع قل او كثروهما مختصان فى اكثر الاستعمال بالافعال وقوبل الصلاح فى القرءآن تارة بالفساد وتارة بالسيئة (وروى) ان رجلا قال لابراهيم بن أدهم قدس سره ان الناس يقولون لى صالح فبم اعرف انى صالح فقال اعرض اعمالك فى السر على الصالحين فان قبلوها واستحسنوها فاعلم انك صالح والا فلا وهذا من كلم الحكمة { والملائكة } مع تكاثر عددهم وامتلاء السموات من جموعهم (وقال الكاشفى) وتمام فرشتكان آسمان وزمين { بعد ذلك } اى بعد نصرة الله وناموسه الاعظم وصالح المؤمنين وفيه تعظيم لنصرتهم لانها من الخوارق كما وقعت فى بدر ولا يلزم منه افضليه الملائكة على البشر { ظهير } خبر والملائكة والجملة معطوفة على جملة فان الله هو مولاه وما عطف عليه اى فوج مظاهر له معين كأنهم يد واحدة على من يعاديه فما ذا يفيد تظاهر امرأتين على من هؤلاء ظهراؤه وما ينبئ عنه قوله تعالى بعد ذلك من فضل نصرتهم على نصرة غيرهم من حيث ان نصرة الكل نصرة الله بهم وبمظاهرتهم افضل من سائر وجوه نصرته يعنى ان نصرة الله اما نصرة ذاتية بلا آلة ولا سبب او نصرة بتوسط مخلوقاته والثانى يتفاوت بحسب تفاوت قدرة المخلوقات وقوتهم ونصرة الملائكة اعظم وابعد رتبة بالنسبة الى سائر المخلوقات على حسب تفاوت قدرتهم وقوتهم فانه تعالى مكن الملائكة على ما لم يمكن الانسان عليه فالمراد بالبعدية ما كان بحسب الرتبة لا الزمان بأن يكون مظاهرة الملائكة اعظم بالنسبة الى نصرة المؤمنين وجبريل داخل فى عموم الملائكة ولا يخفى ان نصرة جميع الملائكة وفيهم جبريل اقوى من نصرة جبريل وحده قال فى الارشاد هذا ما قالوا ولعل الانسب أن يجعل ذلك اشارة الىمظاهرة صالح المؤمنين خاصة ويكون بيان بعدية مظاهرة الملائكة تداركا لما يوهمه الترتيب من افضلية المقدم اى فى نصرة فكأنه قيل بعد ذكر مظاهرة صالح المؤمنين وسائر الملائكة بعد ذلك ظهير له عليه السلام ايذانا يعلو رتبة مظاهرتهم وبعد منزلتها وجبرا لفصلها عن مظاهرة جبريل قال بعضهم لعل ذكر غير الله مع ان الاخبار بكونه تعالى مولاه كاف فى تهديدهما لتذكير كمال رفعة شأن النبى عليه السلام عند الله وعند الناس وعند الملائكة اجمعين.
يقول الفقير ايده الله القدير هذا ما قالوا والظاهر ان الله تعالى مع كفاية نصرته ذكر بعد نفسه من كان اقوى فى نصرته عليه السلام من المخلوقات لكون المقام مقام التظاهر لكون عائشة وحفصة متظاهرتين وزاد فى الظهير لكون المقام مقام التهديد ايضا وقدم جبريل على الصلحاء لكونه اول نصير له عليه السلام من المخلوقات وسفيرا بينه وبين الله تعالى وقدم الصلحاء على الملائكة لفضلهم عليهم فى باب النصرة لان نصرة الملائكة نصرة بالفعل القالبى ونصرة الصلحاء نصرة به وبالهمة وهى اشد وما يفيد البعدية من افضلية تظاهرهم على تظاهر الصلحاء فمن حيث الظاهر اذ هم اقدر على الافعال الشاقة من البشر فاقتضى مقام التهديد ذكر البعدية وفى قوله وصالح المؤمنين اشارة الى غريبة اطلعنى الله تعالى عليها وهى ان صالحا اسم النبى عليه السلام كما فى المفردات فان قلت كيف هو ونصرة النبى لنفسه محال قلت هذه نصرة من مقام ملكيته لمقام بشريته ومن مقام جمعه لمقام فرقه ومن مقام ولايته لمقام نبوته كالتسليم فى قوله عليه السلام عليك أيها النبى ان صح انه عليه السلام قال فى تشهده ونظيره نصرة موسى عليه السلام لنفسه حين فر من القبط كما قال ففرت منكم وذلك لان فيه نصرة نفسه الناطقة لنفسه الحيوانية وفيه اشارة ايضا الى القلب والقوى الروحانية المنصورة على النفس بتأييد الله تعالى وتأييد ملك الالهام قال بعض الكبار ليس فى العالم اعظم قوة من المرأة يسر لا يعرفه الا من عرف فيم وجد العالم وبأى حركة اوجده الحق تعالى وانه عن مقدمتين فانه نتيجة والناتج طالب والطالب مفتقر والمنتوج مطلوب والمطلوب له عزة الافتقار اليه والشهوة فى ذلك غالبة فقد بان لك محل المرأة من الموجودات وما الذى ينظر اليها من الحضرة الالهية وبما ذا كانت لها القوة وقد نبه تعالى على ما خصها به من القوة بقوله وان تظاهرا الخ وما ذكر الا معينا قويا من الملائكة الذين لهم الشدة والقوة فان صالح المؤمنين يفعل بالهمة وهو اقوى من الفعل فان فهمت فقد رميت بك على الطريق فانه تعالى نزل الملائكة بعد ذكره نفسه وجبريل وصالح المؤمنين منزلة المعينين ولا قوة الا بالله وقد اخبر الشيخ افضل الدين الأحمدى قدس سره انه تفكر ذات ليلة فى قوله تعالى
{ وما يعلم جنود ربك الا هو } قال فقلت اين المنازع الذى يحتاج فى مقاتلته الى جنود السموات والارض وقد قال تعالى { ولله جنود السموات والارض } واذا كان هؤلاء جنوده فمن يقاتلون وما خرج عنهم شخص واحد فاذا بهاتف يقول لى لا تعجب فثمة ما هو اعجب فقلت وما هو فقال الذى قصه الله فى حق عائشة وحفصة قلت وما قص فتلا { وان تظاهرا } الخ فهذا اعجب من ذكر الجنود انتهى قال فتحرك خاطرى الى معرفة هذه العظمة التى جعل الله نفسه فى مقابلتها وجبريل وصالح المؤمنين فأخبرت بها فى واقعة فما سررت بشئ سرورى بمعرفه ذلك وعلمت من استندنا اليه ومن يقربهما وعلمت ان الله تعالى لولا ذكر نفسه فى النصرة ما استطاعت الملائكة والمؤمنون مقاومتها وعلمت انهما حصل لهما من العلم بالله والتأثير فى العلم ما اعطاهما هذه القوة وهذا من العلم الذى كهيئة المكنون فشكرت الله على ما اولى انتهى وكان الشيخ على الخواص قدس سره يقول ما أظن احدا من الخلق استند الى ما استند اليه هاتان المرأتان يقول لوط عليه السلام لو أن لى بكم قوة او آوى الى ركن شديد فكان عنده والله الركن الشديد ولكن لم يعرفه وعرفتاه عائشة وحفصة فلم يعرف قدر النساء لا سيما عائشة وحفصة الا قليل فان النساء من حيث هن لهن القوة العظيمة حتى ان اقوى الملائكة المخلوقة من انفاس العامة الزكية من كان مخلوقا من أنفاس النساء ولو لم يكن فى شرفهن الا استدعاؤهن اعظم ملوك الدنيا كهيئة السجود لهن عند الجماع لكان فى ذلك كفاية فان السجود أشرف حالات العبد فى الصلاة ولولا الخوف من اثاره امر فى نفوس السامعين يؤديهم الى امور يكون فيها حجابهم عما دعاهم الحق تعالى اليه لأظهرت من ذلك عجبا ولكن لذلك اهل والله عليم وخبير.