التفاسير

< >
عرض

عَسَىٰ رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً
٥
-التحريم

روح البيان في تفسير القرآن

{ عسى ربه } سز است وشايد بروردكار او.
يعنى النبى عليه السلام { ان طلقكن } اكر طلاق دهدشمارا كه زنان اوييد. وهو شرط معترض بين اسم عسى وخبرها وجوابه محذوف او متقدم اى ان طلقكن فعسى { أن يبدله } اى يعطيه عليه السلام بدلكن { ازواجا } مفعول ثان ليبدله وقوله { خيرا منكن } صفة للازواج وكذا ما بعده من قوله مسلمات الى ثيبات وفيه تغليب المخاطب على الغائبات فالتقدير ان طلقكما وغير كما او تعميم الخطاب لكل الازواج بأن يكن كلهن مخاطبات لما عاتبهما بأنه قد صغت قلوبكما وذلك يوجب التوبة شرع فى تخوفيهما بان ذكر لهما انه عليه السلام يحتمل أن يطلقكما ثم انه ان طلقكما لا يعود ضرر ذلك الا اليكما لانه يبدله ازواجا خيرا منكما وليس فى الآية ما يدل على انه عليه السلام لم يطلق حفصة وان فى النساء خيرا منهن فان تعليق الطلاق للكل لا ينافى تطليق واحدة وما علق بما لم يقع لا يجب وقوعه يعنى ان هذه الخيرية لما علقت بما لم يقع لم تكن واقعة فى نفسها وكان الله عالما بأنه عليه السلام لا يطلقهن ولكن اخبر عن قدرته على انه ان طلقهن ابدله خيرا منهن تخويفا لهن كقوله تعالى
{ وان تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا امثالكم } فانه اخبار عن القدرة وتخويف لهم لا ان فى الوجود من هو خير من اصحاب محمد عليه السلام قيل كل عسى فى القرءآن واجب الا هذا وقيل هو ايضا واجب ولكن الله علقه بشرط وهو التطليق ولم يطلقهن فان المذهب انه ليس على وجه الارض نساء خير من امهات المؤمنين الا انه عليه السلام اذا طلقهن لعصيانهن له وأذاهن اياه كان غيرهن من الموصوفات بهذه الصفات مع الطاعة لرسول الله خيرا منهن وفى فتح الرحمن عسى تكون للوجوب فى ألفاظ القرآن الا فى موضعين احدهما فى سورة محمد هل عسيتم اى علمتم او تمنيتم والثانى هنا ليس بواجب لان الطلاق معلق بالشرط فلما لم يوجد الشرط لم يوجد الابدال { مسلمات مؤمنات } مقرات باللسان مخلصات بالجنان فليس من قبل التكرار او منقادات انقيادا ظاهريا بالجوارح مصدقات بالقلوب { قانتات } مطيعات اى مواظبات على الطاعة او مصليات { تائبات } من الذنوب { عابدات } متعبدات او متذللات لامر الرسول عليه السلام { سائحات } صائمات سمى الصائم سائحا لانه يسيح فى النهار بلا زاد فلا يزال ممسكا الى أن يجد ما يطعمه فشبه به الصائم فى امساكه الى أن يجيء وقت افطاره وقال بعضهم الصوم ضربان صوم حقيقى وهو ترك المطعم والمشرب والمنكح وصوم حكمى وهو حفظ الجوارح من المعاصى كالسمع والبصر واللسان والسائح هو الذى يصوم هذا الصوم دون الاول انتهى او مهاجرات من مكة الى المدينة اذ فى الهجرة مزيد شرف ليس فى غيرها كما قال ابن زيد ليس فى امة محمد سياحة الا الهجرة والسياحة فى اللغة الجولان فى الارض { ثيبات } شوهر ديدكان { وابكارا } ودحتران بكر. والثيب الرجل الداخل بامرأة والمرأة المدخول بها يستوى فيه المذكر والمؤنث فيجمع المذكر على ثيبين والمؤنث على ثيبات من ثاب اذا رجع سميت به المرأة لانها راجعة الى زوجها ان اقام بها والى غيره ان فارقها او الى حالتها الاولى وهى انه لا زوج لها فهى لا تخلو عن الثوب اى الرجوع وقس عليها الرجل وسميت العذرآء بالبكر لانها على اول حالتها التى طلعت عليها قال الراغب سميت التى لم تفتض بكرا اعتبارا بالثيب لتقدمها عليها فيما يراد له النساء ففى البكر معنى الاولية والتقدم ولذا يقال البكرة لاول النهار والباكورة للفاكهة التى تدرك اولا وسط بينهما العاطف دون غيرهما لتنا فيهما وعدم اجتماعهما فى ذات واحد بخلاف سائر الصفات فكأنه قيل ازواجا خيرا منكن متصفات بهذه الصفات المذكورة المحودة كائنات بعضها ثيبات تعريضا لغيرعائشة وبعضها ابكارا تعريضا لها فانه عليه السلام تزوجها وحدها بكرا وهو الوجه فى ايراد الواو الواصلة دون او الفاصلة لانها توهم ان الكل ثيبات او كلها ابكار قال السهيلىرحمه الله ذكر بعض اهل العلم ان فى هذا اشارة الى مريم البتول وهى البكر والى آسية بنت مزاحم امرأة فرعون وان الله سيزوجه عليه السلام اياهما فى الجنة كما روى عن ابن عباس رضى الله عنهما قال أبو الليثرحمه الله تكون وليمة فى الجنة ويجتمع عليها اهل الجنة فيزوج الله هاتين المرأتين يعنى آسية ومريم من محمد عليه السلام وبدأ بالثيب قبل البكر لان زمن آسية قبل زمن مريم ولان ازواج النبى عليه السلام كلهن ثيب الا واحدة وافضلهن خديجة وهى ثيب فتكون هذه القبيلة من قبيلة الفضل والزمان ايضا لانه تزوج الثيب منهن قبل البكر وفى كشف الاسرار (روى) عن معاذ بن جبل رضى الله عنه ان النبى عليه السلام دخل على خديجة وهى تجود بنفسها يعنى وى وفات ميكند.
فقال أتكرهين ما نزل بك يا خديجة وقد جعل الله فى الكره خيرا كثيرة فاذا قدمت على ضراتك فاقريئهن منى السلام فقالت يا رسول الله ومن هن قال مريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم وحليمة اخت موسى فقالت بالرفاء والبنين اى اعرست ملتبسا بالرفاء وهو التئام والاتفاق والمقصود حسن المعاشرة وكان هذا دعاء الاوآئل للمعرس واحترز بالبنين عن البنات ثم نهى النبى عليه السلام عن هذا الاول وامر بأن يقول من دخل على الزوج بارك الله لك وبارك عليك وجمع بينكما فى خير ثم ان المراد من الابدال أن يكون فى الدنيا كما افاده قوله تعالى { ان طلقكن } لان نساء الجنة يكن ابكارا سوآء كن فى الدنيا ثيبات او ابكارا وفى الحديث
"ان الرجل من اهل الجنة ليتزوج خمسمائة حوراء واربعة آلاف ثيبت وثمانية الاف بكر يعانق كل واحدة منهن مقدار عمره فى الدنيا" فان قلت فاذا يكون اكثر اهل الجنة النساء وهو مخالف لقوله عليه السلام "يا معشر النساء تصدقن فانى أريتكن اكثر اهل النار" قلت لعلم المراد بالرجل بعض الرجال لان طبقات الابرار والمقربين متفاوته كما دل عليه قوله عليه السلم "أدنى اهل الجنة الذى له اثنتان وسبعون زوجة وثمانون ألف خادم ولا بعد فى كثرة الخادم" لما قال بعضهم ان اطفال الكفار خدام اهل الجنة على ان الخدام لا ينحصرون فيهم بل لاهل الجنة خدام اخر فان قلت كان عليه السلام يحب الأخف الأيسر فى كل شئ فلما ذا كثر من النساء ولم يكتف منهن بواحدة او ثنتين قلت ذلك من اسرار النبوة ولذا لم يشبع من الصلاة ومن النساء (روى) انه عليه السلام أعطى قوة أربعين رجلا فى البطش والجماع وكل حلال يكدر النفس الا الجماع الحلال فانه يصفيها ويجلى العقل والقلب والصدر ويورث السكون باندفاع الشهوة المحركة على ان شهوة الخواص ليست كشهوة العوام فان نار الشهوة للخواص بعد نور المحبة وللعوام قبله ثم ان فى الآيات المتقدمة فوآئد منها ان تحريم الحلال غير مرضى كما ان ابتغاء رضى الزوج بغير وجهه وجه ليس بحسن ومنها ان افشاء السر ليس فى المروءة خصوصا افشاء اسرار السلاطين الصورية والمعنوية لا يعفى وكل سر جاوز الاثنين شاع اى المسر والمسر اليه او الشفتين ومنها ان من الواجب على اهل الزلة التوبة والرجوع قبل الرسوخ واشتداد القساوة ومنها ان البكارة وجمال الصورة وطلاقة اللسان ونحوها وان كانت نفاسة جسمانية مرغوبة عند الناس لكن الايمان والاسلام والقنوت والتوبة ونحوها نفاسة روحانية مقبولة عند الله وشرف الحسب أفضل من شرف النسب والعلم الدينى والأدب الشرعى هما الحسب المحسوب من الفضائل فعلى العاقل أن يتجلى بالورع وهو الاجتناب عن الشبهات والتقوى وهو الاجتناب عن المحرمات ويتزين بزين انواع المكارم والاخلاق الحسنة والاوصاف الشريفة المستحسنة.