التفاسير

< >
عرض

أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلْخَبِيرُ
١٤
-الملك

روح البيان في تفسير القرآن

{ ألا يعلم } آياندادند { من خلق } اى ألا يعلم السر والجهر من اوجد بحكمته جميع الاشياء التى هما من جملتها فهو انكار ونفى لعدم احاطة علمه تعالى بالمضمر والمظهر ومن فاعل يعلم ويجوز أن يكون منصوبا على انه مفعول يعلم والعائد محذوف اى ألا يعلم الله من خلقه { وهو } اى والحال انه تعالى وحده { اللطيف } العالم بدقائق الاشياء يرى اثر النملة السودآء على الصخرة الصماء فى الليلة الظلماء { الخبير } العالم ببواطنها قال القاشانى هو المحيط ببواطن ما خلق وظواهره بل هو هو فى الحقيقة باطنا وظاهرا لا فرق الا بالوجوب والامكان والاطلاق والتقييد واحتجاب الهوية بالعندية والحقيقة بالشخصية فان قلت ذكر الخبير بعد اللطيف تكرار قلت لا تكرار فيه فانه قال الامام الغزالىرحمه الله انما يستحق اسم اللطيف من يعلم دقائق المصالح وغوامضها وما دق منها وما لطف ثم يسلك فى ايصالها الى المستصلح على سبيل الرفق دون العنف فاذا اجتمع الرفق فى الفعل واللطف فى الادراك تم معنى اللطف ولا يتصور كمال ذلك فى العلم والفعل الا الله تعالى والخبير هو الذى لا يعزب عنه الاخبار الباطنة فلا يجرى فى الملك والملكوت شئ ولا تتحرك ذرة ولا تسكن ولا تضطرب نفس ولا تطمئن الا ويكون عنده خبرها وهو بمعنى العليم لكن العلم اذا أضيف الى الخفايا الباطنة يسمى خبرة ويسمى صاحبها خبيرا قال بعضهم كنا جماعة من الفراء فأصابتنا فاقة ومجاعة فذهبنا الى ابراهيم الخواص قدس سره وقلت فى نفسى اباسط الشيخ فى احوالى واحوال هؤلاء الفقرآء فلما وقع بصره على قال لى الحاجة الى جئتنى فيها الله عليم بها ام لا فارفعها اليه فسكت ثم انصرفنا فلما وصلنا الى المنزل فتح علينا بشئ واذا علم العبد انه مطلع على سره عليم بخفى ما فى صدره يكتفى من سؤاله برفع همته اليه واحضار حاجته فى قلبه من غير أن ينطق بلسانه والله لطيف بعباده ومن لطفه بهم انه يوصل اليهم ما يحتاجون اليه بسهولة فمن قوته رغيف لو تفكر فيه يعلم كم عين سهرت فيه من اول الامر حتى تم وصلح للاكل من الحارث والباذر للبذر والحاصد والد آيس والمذرى والطاحن والعاجن والخابز ويتشعب من ذلك الآلات التى تتوقف عليها هذه الاعمال من الاخشاب والحجارة والحديد والحبال والدواب بحيث لا تكاد تنحصر وهكذا كل شئ ينعم به على عبده من مطعوم ومشروب وملبوس فيه مقدمات كثيرة لو احتاج العبد الى مباشرتها بنفسه لعجز عن ذلك ومن سنة الله سبحانه حفظ كل لطيفة فى طى كل كثيفة كصيانة الودآئع فى المواضع المجهولة ألا ترى انه جعل التراب الكثيف معدن الذهب والفضة وغيرهما من الجواهر والصدف معدن الدر والذباب معدن الشهد والدود معدن الحرير وكذا جعل قلب العبد محلا ومعدنا لمعرفته ومحبته وهو مضغة لحم فالقلب خلق لهذا لا لغيره فعلى العبد ان يطهره عن لوث التعلق بما سوى الله فان الله تعالى لطف به بايجاده ذلك القلب فى جوفه ووصف نفسه بانه لطيف خبير مطلع على ما فى الباطن فاذا كان هو المنظر الالهى وجب تخليته عن الافكار والاغيار وتحليته بأنواع المعارف والعلوم والاسرا وتجليته بتجلى الله الملك العزيز الغفار بوجوه اسمائه وصفاته بل بعين ذاته نسأل الله تعالى نواله وأن يرينا جماله.