التفاسير

< >
عرض

هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ ذَلُولاً فَٱمْشُواْ فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُواْ مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ ٱلنُّشُورُ
١٥
-الملك

روح البيان في تفسير القرآن

{ هو } وحده { الذى جعل لكم } اى لمنافعكم { الارض } اختلفوا فى مبلغ الارض وكميتها فروى عن مكحول انه قال ما بين اقصى الدنيا الى ادناها مسيرة خمسمائة سنة مائتان من ذلك فى البحر ومائتان ليس يسكنها احد وثمانون فيها يأجوج ومأجوج وعشرون فيها سائر الخلق وعن قتادة انه قال الدنيا ان بسيطها من حيث يحيط بها البحر المحيط اربعة وعشرون الف فرسخ فملك السودان منها اثنا عشر الف فرسخ وملك الروم ثمانية آلاف فرسخ وملك العجم والترك ثلاثة آلاف فرسخ وملك العرب الف فرسخ وعن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما انه قال ربع من لا يلبس الثياب من السودان اكثر من جميع الناس وقد خرج بطليموس مقدار قطر الارض واستدارتها فى المخطى بالتقريب وهو كتاب له يذكر فيه القواعد التى يتوسل بها فى اثبات الاوضاع الفلكية والارضية بأدلتها التفصيلية قال استدارة الارض مائة الف وثمانون الف اسطاربوس وهى اربعة وعشرون الف ميل فتكون على هذا الحكم ثمانية آلاف فرسخ والفرسخ ثلاثة اميال والميل ثلاثة آلاف ذراع بالمكى والذراع ثلاثة اشبار وكل شبر اثنتان عشرة اصبعا والاصبع خمس شعيرات مضمومات بطون بعضها الى بعض وعرض الشعيرة الواحدة ست شعرات من شعر بغل والاسطاربوس اربعمائة الف ذراع قال وغلظ الارض وهو قطرها سبعة آلاف وستمائة وثلاثون ميلا يكون الفين وخمسمائة فرسخ وخمسة واربعين فرسخا وثلثى فرسخ قال فبسيط الارض كلها مائة واثنان وثلاثون الف الف وستمائة الف ميل فيكون مائتى الف وثمانية آلاف فرسخ قال صاحب الخريدة فان كان ذلك حقا فهو وحى من الحق او الهام وان كان قياسا واستدلالا فهو قريب ايضا من الحق واما قول قتادة ومكحول فلا يوجب العلم اليقينى الذى يقطع على الغيب به انتهى { ذلولا } اى لينة منقادة غاية الانقياد لما تفهمه صيغة المبالغة يسهل عليكم السلوك فيها لتتوصلوا الى ما ينفعكم وبالفارسية نرم ومنقادتا آسان باشد سيرشما بران.
ولو جعلها صخرة خشنة تعسر المشى عليها او جعلها لينة منبتة يمكن فيها حفر الآبار وشق العيون والانهار وبناء الابنية وزرع الحبوب وغرس الاشجار ولو كانت صخرة صلبة لتعذر ذلك ولكانت حارة فى الصيف جدا وباردة فى الشتاء فلا تكون كفاتا للاحياء والاموات وايضا ثبتها بالجبال الراسيات كيلا تتمايل وتنقل بأهلها ولو كانت مضطربة متمايلة لما كانت منقادة لنا فكانت على صورة الانسان الكامل فى سكوتها وسكونها وكانت هى وحقائقها فى مقابلة القلم الأعلى والملائكة المهيمة والحاصل ان الله تعالى جعل الارض بحيث ينتفع بها وقسمها الى سهول وجبال وبرارى وبحار وانهار وعيون وملح وعذب وزرع وشجر وتراب وحجر ورمال ومدر وذات سباع وحيات وفارغة وغير ذلك بحكمته وقدرته قال سهل قدس سره خلق الله الأنفس ذلولا فمن اذلها بمخالفتها فقد نجاها من الفتن والبلاء والمحن ومن لم يذلها واتبعها اذلته نفسه واهلكته يقال دابة ذلول بينة الذل او هو بالكسر اللين والانقياد وهو ضد الصعوبة فالذلول من كل شئ المنقاد الذى يذل لك وبالضم الهوان ضد العز قال الراغب الذل ما كان عن قهر يقال ذل يذل ذلا والذل ما كان بعد تصعب وشماس من غير قهر يقال ذل يذل ذلا وجعلها البيقهى فى تاج المصادر من الباب الثانى حيث قال فى ذلك الكتاب والباب الذل خورشدن والذل رام شدن.
وكذا فى مختار الصحاح وجعل صاحب القاموس الذل ضد الصعوبة بالضم والكسر والذل بمعنى الهوان بالضم فقط والذلول فعول بمعنى الفاعل ولذا عرى عن علامة التأنيث مع ان الارض مؤنث سماعى { فامشوا فى مناكبها } الفاء لترتيب الامر على الجعل المذكور وهو أمر اباحة عند بعض اى فاسلكوا فى جوانبها وخبر فى صورة الامرعند آخرين اى تمشون فى اطرافها من حيث اى منكبى الرجل جانباه فشبه الجوانب بالمناكب واذا مشوا وساروا فى جوانبها واطرافها فقد احاطوا بها وحصل لهم الانتفاع بجميع ما فيها قال الراغب المنكب مجتمع ما يبن العضد والكتف ومنه استعير للارض فى قوله فامشوا فى مناكبها كاستعارة الظهر لها فى قوله ما ترك على ظهرها انتهى او فى جبالها وشبهت بالمناكب من حيث الارتفاع وكان لبشر بن كعب سرية فقال لها ان اخبرتنى ما مناكب الارض فأنت حرة فقالت مناكبها جبالها فصارت حرة فأراد أن يتزوجها فسال ابا الدردآء رضى الله عنه فقال دع ما يريبك الى ما لا يريبك وهو مثل لفظ التذليل ومجاوزته الغاية اى تذليل البعير لا مطلقا كما فى حواشى سعدى المفتى فان منكب البعير ارق اعضائه وانباها عن أن يطاها الراكب بقدمه فاذا جعل الارض فى الذل بحيث يتأتى ا لمشى فى مناكبها لم يبق منها شئ لم يتذلل فخرج الجواب عن وجه تخصيص المشى فى الجبال على تقدير أن يراد بالمناكب الجبال لكن من الجبال ما يتعذر سلوكها كجبل السد بيننا وبين يأجوج ومأجوج ورد فى الحديث انه تزالق عليه الارجل ولا تثبت ومنها ما يشق سلوكها وانما لم تعتبر لندرتها وقلتها وفى التأويلات النجمية هو الذى جعل لكم ارض البشرية ذلولا منقادة فخذوا من ارضها بقدر الحاجة من اعاليها واسافلها من اللذات الجسمانية المباحة لكم بحكم الشرع لتقوية ابدانكم وتهيئة اسباب طاعاتكم وعباداتكم لئلا تضعف بالكلية وتكل عن العبادة { وكلوا من رزقه } والتسموا من نعم الله تعالى فيها من الحبوب والفواكه ونحوها والامر ان كان امر اباحة فالرزق ما يكون حلالا وان كان خبرا فى صورة الامر بمعنى تأكلون فيجوز أن يكون شاملا للحرام ايضا فانه من رزقه ايضا وان كان التناول منه حراما { واليه } اى الله وحده { النشور } اى لامرجع بعد البعث فبالغوا فى شكر نعمه يقال نشر الله الميت نشرا احياه بعد موته ونشر الميت بنفسه نشورا فهو يتعدى ولا يتعدى كرجعه رجعا ورجع بنفسه رجوعا الا ان الميت لا يحيى بنفسه بدون احياء الله اذ هو محال.