التفاسير

< >
عرض

أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى ٱلطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَـٰفَّـٰتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ ٱلرَّحْمَـٰنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ
١٩
-الملك

روح البيان في تفسير القرآن

{ اولم يروا } اى اغفلوا ولم ينظروا { الى الطير } فالرؤية بصرية لانها تتعدى بالى واما القلبية فتعديتها بفى والطير يطلق على جنس الطائر وهو كل ذى جناح يسبح فى الهوآء اما لكون جمعه فى الاصل كركب وراكب او مصدره جعل اسما لجنسه فباعتبار تكثره فى المعنى وصف بصافات وفى المفردات انه جمع طائر { فوقهم } يجوز أن يكون ظرفا ليروا وأن يكون حالا من الطير أى كائنات فوقهم { صافات } حال من الطير والصف أن يجعل الشئ على خط مستو كالناس باسطات اجنحتهن فى الجو عند طيرانها فانهن اذا بسطنها صففن قوادمها صفا وقوادم الطير مقاديم ريشه وهى عشر فى كل جناح الواحدة قادمة { ويقبض } ويضممنها اذا ضربن بما جنوبهن حينا فحينا للاستظهار به على التحرك وهو الشر فى ايثار يقبضن الدال على تجدد القبض تارة بعد تارة على قابضات فان الطيران فى الهوآء كالسباحة فى الماء فكما ان الاصل فى السباحة مد الاطراف وبسطها فكذا الاصل فى الطيران صف الاجنحة وبسطها والقبض انما يكون تارة بعد تارة للاستظهار المذكور كما فى السابح قال ابن الشيخ ويقبض عطف على صافات لانه بمعنى وقابضات والا لما عطف الفعل على الاسم { ما يمسكهن } فى الجو وما يأخذهن عن السقوط عند الصف والقبض على خلاف مقتضى الطبع الجسمانى فانه يقتضى الهبوط الى السفل { الا الرحمن } الواسع رحمته كل شئ بأن برأهن على اشكال وخصائص وهيأهن للجرى فى الهوأء { انه بكل شئ بصير } يعلم ابداع المبدعات وتدبير العجائب والبصير هو الذى يشاهد ويرى لا يعزب عنه ما تحت الثرى وهو فى حقه تعالى عبارة عن الوصف الذى به ينكشف كمال نعوت المبصرات فالبصر صفة زآئدة على علمه تعالى خلافا للقدرية فمن عرف هذه الصفة كان المراد به دوام المراقبة ومطالبة النفس بدقيق المحاسبة والمراقبة احدى ثمرات الايمان (حكى) ان بعض الملوك كان له عبد يقبل عليه اكثر مما يقبل على امثاله ولم يكن احسن منهم صورة ولا اكثر منهم قيمة فكانوا يتعجبون من ذلك فركب الملك يوما الى الصحرآء ومعه اصحابه وعبيده فنظر الى جبل بعيد عليه قطعه ثلج نظرة واحدة ثم اطرق فركض ذلك العبد فرسه من غير أن ينظر الملك اليه ولا أشار بشئ من ذلك ولم تعلم الجماعة لاىّ شئ ركض فرسه فما لبث الا ساعاة حتى عاد ومعه شئ من الثلج فقل له بم عرفت ان الملك أراد الثلج فقال لانه نظر اليه ونظر الملوك الى شئ لا يكون عبثا فقال الملك لهذا اقربه واقدمه عليكم فانكم مشغولون بأنفسكم وهو مشغول بمراقبة احوالى وفى التأويلات النجمية يشير الى طيران الارواح العلوية المخلوقة قبل الاجساد من العوالم الهيولانية وما يمسكهن الا الرحمن المشتمل على الاسم الحفيظ وبه يمسكها فى جو سماء القدرة انه بكل شئ بصير يعلم كيف يخلق الاشياء الغريبة وكيف يدبر الامور العجبة.