التفاسير

< >
عرض

ثُمَّ ٱرجِعِ ٱلبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ ٱلبَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ
٤
-الملك

روح البيان في تفسير القرآن

{ فارجع البصر } اى رده الى رؤية السماء حتى يتضح ذلك بالمعاينة ولا يبقى عندك شبهة ما ورجع يجيئ لازما ومتعديا يقال رجع بنفسه رجوعا وهو العود الى ما منه البدء مكانا كان او فعلا او قولا بذاته كان رجوعه او بجزء من اجزآئه او بفعل من افعاله ورجعه غيره رجعا اى رده واعاده { هل ترى } فيها { من فطور } جمع فطر كما فى القاموس وهو الشق (كما قال فى تاج المصادر) الفطر آفريدون وابتدا كردن وشاكفتن.
يقال فطره فانفطر اى شقه فانشق والمعنى من شقوق وصدوع لامتناع خرقها والتئامها قاله القاشانى ولو كان لها فروج لفاتت المنافع التى رتبت لها النجوم المفرقة فى طبقاتها او بعضها او كمالها كما فى المناسبات فاذا لم ير فى السماء فطور وهى مخلوقة فالخالق اشد امتناعا من خواص الجسمانيات { ثم ارجع البصر كرتين } اى رجعتين اخريين وأعد النظر مرة بعد مرة فى طلب الخلل والعيب. يعنى اكرتيك نكريستن معلوم نكردد تكراركن نكريستن را.
والمراد بالتثنية التكرير والتكثير كما فى لبيك وسعديك يريد اجابات كثيرة واعانات وفيرة بعضها فى اثر بعض وذلك لان الكلال الآتى لا يقع بالمرتين اى رجعة بعد رجعة وان كثرت قال الحسنرحمه الله لو كررته مرة بعد مرة الى يوم القيامة لم تر فيه فطور وقال الواسطىرحمه الله كرتين اى قلبا وبصر الان الاول كان بالعين خاصة والحاصل ان تكرار النظر وتجوال الفكر مما يفيد تحقيق الحائق واذا كان ذلك النظر فيها عند طلب الخروق والشقوق لا يفيد الا الكلال والحرمان تحقق الامتناع وما اتعب من طلب وجود الممتنع { ينقلب } ينصرف ويرجع وبالفارسية باز كردد { اليك } بسوى تو { البصر } جشم تو { خاسئا } اى ذليلا بعيدا محروما من اصابة ما التمسه من العيب والخلل كأنه يطردعن ذلك طرد بالصغار والذلة فقوله ينقلب مجزوم على انه جواب الامر وخاسئا حال من البصر وهو مع انه اسم فاعل من خسأ بمعنى تباعد وهرب ففيه معنى الصغار والذلة فاذا قيل خسأ الكلب خسوء افمعناه تباعد من هو انه وخوفه كأنى زجر وطرد عن مكانه الاول بالصغار وخسأ يجيى متعديا ايضا يقال خسأت الكلف فخسأ اى باعدته وطردته وزجرته مستهينا به فانزجر وذلك اذا قيل له اخسأ قال الراغب ومنه خسأ البصر أى انقبض من مهانة وفى القاموس الخاسئ من الكلاب والخنازير المبعد لا يترك أن يدنو من الناس ولا يكون خاسئا فى الآية من المتعدى الا بأن يكون بمعنى المفعول اى مبعدا { وهو حسير } اى كليل وبالغ غاية الاعياء لطول المعاودة وكثرة المراجعة وهو فعيل بمعنى الفاعل من الحسور الذى هو الاعياء كما فى تاج المصادر الحسور رنجه شدن وكندشن جسم از مسافت دور.
وقال الراغب يقال للمعي حاسر ومحسور أما الحاسر فتصور انه قد حسر بنفسه قواه واما المحسور فتصور ان التعب قد حسره وقوله تعالى وهو حسير يصح أن يكون بمعنى حاسر وبمعنى محسور انتهى والجملة حال من البصر او من الضمير المستتر فى خاسئا فيكون من قبيل الاحوال المتداخلة قال بعضهم فاذا كان الحال هذا فى بعض المصنوع فكيف عند طلب العلم بالصانع فى كماله وجلاله وجماله فكيف بمن يتفوه بالحلول والاتحاد حسبه جهنم وبئس المهاد

سبحانه من تحير فى ذاته سواه فهم خرد بكنه كمالش نبرد راه
عمرى خرد جو جشمه ها جشمها كشاد تابر كمال كنه اله افكند نكاه
ليكن كشيد عاقبتش در دوديده ميل شكل الف كه حرف نخستست ازاله

وفى التأويلات النجمية فارجع بصرك الظاهر من ظواهر الاشياء الى بصرك الباطن ومن بصرك الباطن الى بواطن الاشياء يعنى انظر باتحاد بصرك وبصيرتك الى ظواهر الاشياء وبواطنها هل ترى من شقوق الخلاف بحسب استعداد كل واحد من الموجودات لاعطائه كل ذى حق حقه ثم ارجع البصر كرتين ينقلب اليك البصر خاسئا وهو حسير مبعد عن رؤية الخلل ومطالعة الزلل كما قال الامام حجة الاسلام قدس سره فى بعض كلماته ليس فى الامكان ابدع من هذا الوجود لانه لو كان ولم يظهر لكان بخلا وهو جواد ولكان عجزا وهو قادر كما قال تعالى { الذى أعطى كل شئ خلقه ثم هدى } وقال بعضهم انما لم يكن فى الامكان ابدع مما كان اى اظهر من هذا العالم لانه ماثم الارتبتان الحق فى المرتبة الاولى وهو القدم والعالم فى الثانية وهو الامكان والحدوث فلو خلق ما خلق الى مالا يتناهى فلا يزال فى المرتبة الثانية الامكانية.