التفاسير

< >
عرض

تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَآ أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ
٨
-الملك

روح البيان في تفسير القرآن

{ تكاد تميز من الغيظ } الجملة خبر آخر وتميز اصله تتميز بتاءين والتميز الانقطاع والانفصال بين المتشابهات والغيظ اشد الغضب يقال يكاد فلان ينشق من غيظه اذا وصف بالافراط فى الغضب والمعنى تكاد تتفرق جهنم من شدة الغضب عليهم اى يقرب أن يتمزق تركيبها.
وينفصل بعضه من بعض وبالفارسية نزديكست كه باره باره شود دوزخ از شدت خشم بركافران.
شبه اشتعال النار بهم فى قوة تأثيرها فيهم وايصال الضرر اليهم باغتياظ المغتاظ على غيره المبالغ فى ايصال الضرر اليه فاستيعر اسم الغيظ لذلك الاستعمال استعارة تصريحية قال الامام لعل سبب هذا المجاز ان دم القلب يغلى عند الغضب فيعظم مقداره فيزداد امتلاء العروق حتى يكاد يتمزق قال فى المناسبات وكان حذف احدى التاءين اشارة الى انه يحصل افتراق واتصال على وجه من السرعة لا يكاد يدرك حق الادراك وذلك كله لغضب سيدها وتأتى يوم القيامة تقاد الى المحشر بألف زمام لكل زمام سبعون ألف ملك يقود ونهاية وهى من شدة الغيظ تقوى على الملائكة وتحمل على الناس فتقطع الأزمة جميعا وتحطم اهل المحشر وتقول لأنتقمن اليوم ممن اكل رزق الله وعبد غيره فلا يردها عنهم الا النبى صلى الله عليه وسلم يقابلها بنوره فترجع مع ان لكل ملك القوة مالو أمر به أن يقتلع الارض وما عليها من الجبال ويصعد بها فعل من غير كلفة وهذا كما اطفأها فى الدنيا بنفحة كما قال عليه السلام
"لقد أدنيت منى النار حتى جعلت انفثها خشية أن تشغاكم" قال بعضهم تلك المهواة لشدة منافاتها بالطبع لعالم النور واصل فطرة النفس ليشتد غيظها على النفوس كما ان شدة منافرة الطباع بعضها بعضا تستلزم شدة العداوة والبغض المقتضية لشدة الغيظ.
يقول الفقيرتقرر من هذا البيان ودل سائر الآثار الصحيحة ايضا ان جهنم لها حياة وشعور كسائر الاحياء ولذا يصدر منها كما يصدر منهم فلا حاجة الى ارتكاب المجاز عند اهل الله تعالى فى امتثال ذلك قال جعفر الطيار رضى الله عنه كنت مع النبى عليه السلام فى طريق فاشتد على العطش فعلمه النبى عليه السلام وكان خذآءنا جبل فقال عليه السلام
"بلغ منى السلام الى هذا الجبل وقل له يسقيك ان كان فيه ماء" قال فذهبت اليه وقلت السلام عليك أيها الجبل فقال الجبل ينطق بنطق فصيح لبيك يا رسول الله فعرضت القصة فقال بلغ سلامى الى رسول الله وقل منذ سمعت قوله تعالى { فاتقوا النار التى وقودها الناس والحجارة } بكيت لخوف أن اكون من الحجارة التى هى وقود النار بحيث لم يبق فى ماء { كلما ألقى } الالقاء بيفكندن { فيها } اى فى جهنم { فوج } جماعة من الكفرة يدفع الزبانية لهم الذين هم اغيظ عليهم من النار وهو استئناف مسوق لبيان حال اهلها بعد بيان حال نفسها { سألهم } اى ذلك الفوج وضمير الجميع باعتبار المعنى { خزنتها } اى خزنة النار وهى مالك واعوانه من الربانية بطريق التوبيخ والتقريع ليزدادوا عذابا فوق عذاب وحسرة اى ليزدادوا العذاب الروحانى على العذاب الجسمانى جمع خازن بمعنى الحافظ والموكل يعرف ذلك من قولهم بالفارسية خزينه دار.
قال فى تاج المصادر الخزن نكاه داشتن مال وسر { ألم يأتكم } اى وقالوا لهم ايها الكفرة الفجرة ألم يأتكم فى الدنيا { نذير } اى منذر يتلو عليكم آيات ربكم وينذركم لقاء يومكم هذا والانذار الابلاغ ولا يكون الا فى التخويف ويعدى الى مفعولين كما فى تاج المصادر.