التفاسير

< >
عرض

وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ
٤
-القلم

روح البيان في تفسير القرآن

{ وانك لعلى خلق عظيم } لا يدرك شأوه احد من الخلق ولذلك تحتمل من جهتهم ما لا يكاد يحتمله البشر قال بعضهم لكونك متخلقا باخلاق الله واخلاق كلامه القديم ومتأيد بالتأييد القدسى فلا تتأثر بافترآئهم ولا تتأذ بأذاهم اذ بالله تصبر لا بنفسك كما قال واصبر وما صبرك الا بالله ولا احد أصبر من الله وكلمة على للاستعلاء فدلت على انه عليه السلام مشتمل على الاخلاق الحميدة ومستولٍ على الافعال المرضية حتى صارت بمنزلة الامور الطبيعية له ولهذا قال تعالى { قل ما اسالكم عليه من اجر وما انا من المتكلفين } اى لست تكلفا فيما يظهر لكم من اخلاقى لان المتكلف لا يدوم امره طويلا بل يرجع اليه الطبع وللانسان صورة ظاهرة لها هيئة يشاهدها البصر الذى هو فى الرأس وهى عالم الملك وهى الشكل وصورة باطنة لها سيرة يشاهدها البصيرة التى هى فى القلب وهى من عالم الملكوت وهى الخلق فكما ان لهيئته الظاهرة حسنا او قبحا صوريا باعتبار اشكالها واوضاعها وألوانها فكذلك لسيرته الباطنة حسن او قبح معنوى باعتبار شمائلها وطبائعها ومن ذلك قسموا الخلق الى المحمود والمذموم تارة والى الحسن والقبيح اخرى وكثيرا ما يطلق ويراد به المحمود فقط لانه اللائق بأن يسمى خلقا ومن هذا قوله تعالى خلق عظيم وعليه قول الامام الرازى الخلق ملكة نفسانية يسهل على المتصف بها الاتيان بالافعال الجميلة ونفس الاتيان بالافعال الجميلة شئ وسهولة الاتيان بها شئ آخر فالخالة التى باعتبارها تحصل تلك السهولة الخلق وسمى خلقا لانه لرسوخه وثباته صار بمنزلة الخلقة التى جبل عليها الانسان وان احتاج فى كونه ملكة راسخة الى اعتمال وطول رياضة ومجاهدة ولذا قالوا الخلق يتبدل بالمصاحبة والمعاملة فيكون الحسن قبيحا والقبيح حسنا على حال المصاحبين والمعاملين كما فى الحديث "المرء على دين خليله فلينظر احدكم من يخالل" وفى حديث آخر "لا تجالسوا اهل الاهوآء والبدع فان لهم عرة كعرة الجرب" ومن ذلك كانت مصاحبة الاخيار مستحسنة مرغبا فيها ومصاحبة الاشرار مستقبحة مرهبا عنها وكذلك يتبدل بالسعى فى اسبابه ولذلك صنف اطباء الارواح ابوابا فى علم الاخلاق لبيان ما هو صحة روحانية وما هو مرض روحانى كما ألف اطباء الاشباح فصولا فى علم الأبدان لبيان سبب كل مرض وعلاجه وانما أفرد الخلق ووصفه بالعظمة كما وصف القرءآن بالعظيم لينبه على ان ذلك الخلق الذى هو عليه السلام جامع المكارم الاخلاق أجتمع فيه شكر نوح وخلة ابراهيم واخلاص موسى وصدق وعد اسمعيل وصبر يعقوب وايوب واعتذار داود وتواضع سليمان وعيسى وغيرهما من اخلاق سائر الانبياء عليهم السلام كما قال تعالى { فبهداهم اقتده } اذ ليس هذا الهدى معرفة الله تعالى لان ذلك تقليد وهو غير لائق بالرسول عليه السلام ولا الشرآئع لان شريعته ناسخة لشرآئعهم ومخالفة لها فى الفروع والمراد منه الاقتدآء بكل منهم فيما اختص به من الخلق الكريم لو كان كل منهم مختصا بخلق حسن غالب على سائر اخلاقه فلماامر بذلك فكأنه امر بجمع جميع ما كان متفرقا فيهم فهذه درجة عالية لم تتيسر لاحد من الانبياء عليهم السلام فلا جرم وصفه الله بكونه على خلق عظيم كما قال بعض العارفين.

لكل نبى فى الانام فضيلة وجملتها مجموعة لمحمد

ولم يتصف عليه السلام بمقتضى قوته النظرية الا بالعلم والعرفان والايقان والاحسان ولم يفعل بمقتضى قوته العملية الا ما فيه رضى الله من فرض او واجب او مستحب ولم يصدر منه حرام او مفسد او مكروه فكان هو الملك بل اعلى منه ويجمع هذا كله قول عائشة رضى الله عنها لما سئلت عن خلقه عليه السلام فقالت "كان خلقه القرءآن" ارادت به انه عليه السلام كان متحليا بما فى القرءآن من مكارم الاخلاق ومحاسن الاوصاف ومتخليا عما يزجر عنه من السيئات وسفساف الخصال وفى رواية قالت للسائل ألست تقرأ القرءآن قد افلح المؤمنون يعنى اقرأ الآى العشر فى سورة المؤمنين فذلك خلقه وفيه تنبيه للسامعين على عظام اخلاقه من الايمان الذى هو اصل الاخلاق القلبية والصلاة الى هى عماد الاخلاق البدنية والزكاة التى هى رأس الاخلاق المالية الى آخر ما فى الآيات وفى سلسلة الذهب للمولى الجامىرحمه الله

بود هم بحر مكرمت هم كان كوهرش كان خلقه القرءآن
وصف خلق كسى كه قرآنست خلق را نعت اوجه امكانست

وفى التأويلات النجمية كان خلقه القرءآن بل كان هو القرءآن كما قال العارف بالحقائق _@_

انا القرءآن والسبع المثانى وروح الروح لا روح الأوانى

محمد بن حكيم الترمذى قدس سره فرموده كه هيج خلقى بزر كتراز خلق حضرت محمد عليه السلام نبوده جه زميشت خوددست باز داشت وخودرا كلى باحق كذاشت وامام قشيريى قدس سره كفته كه ازبلا منحرف شد ونه ازعطا منصرف كشت وكفته كه آن حضرت راهيج مقصد ومقصودى جز خدى تعالى نبوده كما قال الجنيد قدس سره كان على خلق عظيم لجوده بالكونين

له همم لا منتهى لكبارها وهمته الصغر اجلى من الدهر

وقال الحسين النورى قدس سره كيف لا يكون خلقه عظيما وقد تجلى الله لسره بانوار اخلاقه.
يقول الفقير كان خلقه عظيما لانه مظهر العظيم فكان خلق العظيم عظيما فافهم جدا وفى تلقيح الاذهان لحضرة الشيخ الاكبر قدس سره الاطهر اوتى عليه السلام جوامع الكلم لانه مبعوث لتتميم مكارم الاخلاق كما قال عليه السلام ولذلك قال الله تعالى { وانك لعلى خلق عظيم } وهو عين كونه صراط المستقيم قال صلى الله عليه وسلم
"ان لله ثلاثمائة وستين خلقه من لقيه بخلق منها مع التوحيد دخل الجنة" قال ابو بكر رضى الله عنه هل فى منها يا رسول الله قال "كلها فيك يا ابا بكر وأحبها الى الله السخاء" انتهى ولذلك كان احسن اخلاق المرء فى معاملته مع الحق التسليم والرضى واحسن اخلاقه فى معاملته مع الخلق العفو والسخاء وانما قال مع التوحيد لانه قد توجد مكارم الاخلاق والايمان كما انه قد يوجد الايمان ولا اخلاق اذ لو كان الايمان يعطى بذاته مكارم الاخلاق لم يقل للمؤمن افعل كذا واترك كذا وللمكارم آثار ترجع على صاحبها فى اى دار كان كما ورد فى حق ابى طالب قال بعض الكبار من اراده ان يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم ممن لم يدركه من امته فلينظر الى القرءآن فانه لا فرق بين النظر فيه وبين النظر الى رسول الله فكأن القرءآن انتشاء صورة جسديه يقال لها محمد بن عبد الله ابن عبد المطلب والقرءآن كلام الله وهو صفته فكأن محمدا عليه السلام خلعت عليه صفه الحق من يطع الرسول فقد اطاع الله وقال بعضهم من أراده ان يرى رسول الله فليعمل بسنته لا سيما فى مكان اميتت السنه فيه فان حياة رسول الله بعد موته هى حياة سنته ومن احياها فكأنما احيى الناس جميعا لانه المجموع الاتم الاكمل صلى الله عليه وسلم وقال بعضهم لم يبق بعد بعثة رسول الله سفساف اخلاق ابدا لانه صلى الله عليه وسلم أبان لنا عن مصارفها كلها من حرص وحسد وشره وبخل وخوف وكل صفة مذمومة فمن اجراها على تلك المصارف عادت كلها مكارم اخلاق وزال عنها اسم الذم قال صلى الله عليه وسلم لمن ركع دون الصف "زادك الله حرصا ولا تعد" وقال "لاحسد الا فى اثنتين" وقال "اكثروا من ذكر الله" وقال تعالى { فلا تخافوهم وخافون } وقال تعالى { فلا تقل لهما اف } وقال { اف لكم } وغير ذلك من الآيات ولاخبار فما امر الله باجتناب بعض الاخلاق الا لمن يعتقد انها سفساف اخلاق وجهل معنى قوله عليه السلام "بعثت لاتمم مكارم الاخلاق" فمن الناس من علم ومنهم من جهل فالكامل لا يرى فى العالم الا اخلاق الله تعالى التى به وجدت وفى كشف الاسرار فى تفسير الآيه عرض عليه مفاتيح العرض فلم يقبلاه ورقاه ليلة المعراج وأراه جميع الملائكة والجنة فلم يلتفت اليها قال الله تعالى { ما زاغ البصر وما طغى } ما التفت يمينا وشمالا فقال تعالى رانك لعلى خلق عظيم }.
اى جوانمرد قدر آن مهتركه داند وكدام خاطر ببدايت عزو رسد صد هذار وبيست وجهار هزار نقطه نبوت كه رفتند دبر برابر درجات او كواكب بودند وبا آنكه او غائب بودهمه نور نبوت ازو كفرتند جنانكه آفتاب اكرجه غائب باشد كواكب نور ازوى كيرند ليكن جون آفتاب بيدا شود كواكب درنور او يبدا شوند همجنين همه انبيا نور ازو كرفتند ليكن جون محمد عليه السلام بعالم صورت درآمد ايشان هم كم شدند
_@_

كأنك شمس والملوك كواكب اذا طلعت لم يبد منهن كوكب

وفى القصيدة البردية

فاق النبيين فى خلق وفى خلق ولم يدانوه فى علم ولا كرم
فانه شمس فضل هم كواكبها يظهر انوارها للناس فى الظلم

ومن اخلاقه عليه السلام ما أشار اليه قوله "صل من قطعك واعف عمن ظلمك واحسن الى من اساء اليك" فانه عليه السلام ما امر امته بشئ قبل الائتمار به وفى الحديث "ان المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة قائم الليل صائم النهار" وروى عن على بن موسى الرضى عن ابيه موسى بن جعفر عن ابيه جعفر بن محمد عن ابيه محمد ابن على عن ابيه على بن الحسين عن ابيه الحسين بن على عن ابيه على بن ابى طالب رضى الله عنهم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "عليكم بحسن الخلق فان حسن الخلق فى الجنة لا محالة واياكم وسوء الخلق فان سوء الخلق فى النار لا محالة" .