التفاسير

< >
عرض

فَذَرْنِي وَمَن يُكَذِّبُ بِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ
٤٤
-القلم

روح البيان في تفسير القرآن

{ فذرنى ومن يكذب بهذا الحديث } من منصوب للعطف على ضمير المتكلم او على انه مفعول معه وهو مرجوح لا مكان العطف من غير ضعف اى واذا كان حالهم فى الآخرة كذلك فدعنى ومن يكذب القرءآن وخل بينى وبينه ولا تشغل قلبك بشأنه وتوكل على فى الانتقام منه فانى عالم بما يستحقه من العذاب ويطيق له وكافيك امره يقال ذرنى واياه يريدون كله الى فانى اكفيك قال فى فتح الرحمن وعيد ولم يكن ثمة مانع ولكنه كما تقول دعنى مع فلان اى سأعاقبه والحديث القرءآن لان كل كلام يبلغ الانسان من جهة السمع او الوحى فى يقظته او منامه يقال له حديث { سنستدرجهم } يقال استدرجه الى كذا اذا استنزله اليه درجة درجة حتى يورطه فيه وفى تاج المصادر الاستدراج اندك اندك نزديك دانيدن خداى بنده را بخشم وعقوبت خود.
والمعنى سنستزلهم الى العذاب درجة فدرجة بالاحسان وادامة الصحة وازدياد النعمة حتى نوقعهم فيه فاستدراج الشخص الى العذاب عبارة عن هذا الاستنزال والاستدناء { من حيث لا يعلمون } اى من الجهة الى لا يشعرون انه استدراج وهو الانعام عليهم لانهم يحسونه ايثارا لهم وتفضيلا على المؤمنين وهو سبب لهلاكهم وفى الحديث
"اذا رأيت الله ينعم على عبد وهو مقيم على معصيته فاعلم انه مستدرج وتلا هذه الآية" وقال امير المؤمنين رضى الله عنه من وسع عليه دنياه فلم يعلم انه قد مكر به فهو مخدوع عن عقله (وروى) ان رجلا من بنى اسرآئيل قال يا رب كم اعصيك ولم أنت لا تعاقبنى فأوحى الله الى نبى زمانه ان قل له كم من عقوبة لى عليك وان لا تشعر كونها عقوبة ان جمود عينك وقساوة قلبك استدراج منى وعقوبة لو عقلت قال بعض المكاشفين من المكر الالهى بالعبد أن يرزق العلم ويحرم العمل به او يرزق العمل ويحرم الاخلاص فيه فمن علم اتصافه بهذا من نفسه فليعلم انه ممكور به واخفى ما يكون المكر الالهى فى المتأولين من اهل الاجتهاد وغيرهم ومن يعتقد أن كل مجتهد مصيب يدعو الناس على بصيرة وعلم قطعى وكذلك مكر الله بالخاصة خفى مستور فى ابقاء الحال عليهم وتأييدهم بالكرامات مع سوء الأدب الواقع منهم فتراهم يتلذذون باحوالهم ويهجمون على الله فى مقام الادلال وما عرفوا ما ادخر لهم من المؤاخذات نسأل الله العافية وقال بعض العارفين مكر الله فى نعمه اخفى منه فى بلائه فالعاقل من لا يأمن مكر الله فى شئ وأدنى مكر بصاحب النعمة الظاهرة او الباطنة انه يخطر فى نفسه انه مستحق لتلك النعمة وانها من اجل اكرامه خلقت ويقول ان الله ليس بمحتاج اليها فهى لى بحكم الاستحقاق وهذا يقع فيه كثيرا من لا تحقيق عنده من العارفين لان الله انما خلق الاشياء بالاصالة لتسبح بحمده واما انتفاع عباده بها فبحكم التبعية لا بالاول وقال بعض المحققين كل علم ضرورى وجده العبد فى نفسه من غير تعمل فكر فيه ولا تدبر فهو عطاء من الله لوليه الخاص بلا واسطة ولكن لا يعرف ان ذلك من الله الا الكمل من الرجال ويحتاج صاحب مقام الفتوح الى ميزان دقيق لانه قد يكون فى الفتوح مكر خفى واستدراج ولذلك ذكره تعالى فى القرآن على نوعين بركات وعذاب حتى لا يفرح العاقل بالفتح قال تعالى { ولو أن اهل الكتاب آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء } وقال تعالى { فتحنا عليهم بابا ذا عذاب شديد } وتأمل قول قوم عاد هذا عارض ممطرنا لما حجبتهم العادة فقيل لهم بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم.
واعلم ان كل فتح اعطاك أدبا وترقيا فليس هو بمكر بل عناية من الله لك وكل فتح اعطى العبد أحوالا وكشفا واقبالا من الحق فليحذر منه فانه نتيجة عجلت فى غير موطنها فينقلب صاحبها الى الدار الآخرة صفر اليدين نسأل الله اللطف قال أبو الحسين رضى الله عنه المستدرج سكران والسكران لا يصل اليه ألم فجع المعصية الا بعد افاقته فاذا افاقوا من سكرتهم خلص ذلك الى قلوبهم فانزعجوا ولم يطمئنوا والاستدراج هو السكون الى اللذات والتنعم بالنعمة ونسيان ما تحت النعم من المحن والاغترار بحلم الله تعالى وقال أبو سعيد الخرازقدس سره الاستدراج فقدان اليقين فالمستدرج من فقد فوآئد باطنه واشتغال بظاهره واستكثر من نفسه حركاته وسعيه لغيبوبته عن المنه وقال بعضهم بالاستدراج تعرف العقوبة ويخاف المقت وبالانتباه تعرف النعمة ويرجى القرب.