التفاسير

< >
عرض

وَٱلْمَلَكُ عَلَىٰ أَرْجَآئِهَآ وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ
١٧
-الحاقة

روح البيان في تفسير القرآن

{ والملك } اى الخلق المعروف بالملك وهو أعم من الملائكة ألا ترى الى قولك ما من ملك الا وهو شاهد اعم من قولك ما من ملائكة { على ارجائها } اى جوانب السماء جمع رجى بالقصر وهى جملة حالية ويحتمل ان تعطف على ما قبلها كذا قالوا المعنى تنشق السماء التى هى مساكنهم فيلجأون الى اكنافها وحافاتها قالوا وقوفهم لحظة على ارجائها وموتهم بعدها فان الملائكة يموتون عند النفخة الاولى لا ينافى التعقيب المدلول عليه بالفاء وقد يقال انهم هم المستثنون بقوله الا من شاء الله اى ونفخ فى الصور فصعق من فى السموات ومن فى الارض الا الملائكة ونحوهم قال المولى الفنارى فى تفسير الفاتحة فاذا وهت السماء نزلت ملائكتها على ارجائها فيرون اهل الارض خلقا عظيما اضعاف ما هم عليه عددا فيتخيلون ان الله نزل فيهم لما يرون من عظم الملائكة مما لم يشاهدوه من قبل فيقولون افيكم ربنا فيقول الملائكة سبحان ربنا ليس فينا وهو آت فيصطف الملائكة صفا مستديرا على نواحى الارض محيطين بعالمى الانس والجن وهؤلاء هم عمار السماء الدنيا ثم ينزل اهل السماء الثانية بعدما يقبضها الله ايضا ويرمى بكوكبها فى النار وهو المسمى كاتبا وهم اكثر عددا من اهل السماء الدنيا فيقول الخلائق افيكم ربنا فيفزع الملائكة فيقولون سبحان ربنا ليس هو فينا وهو آت فيفعلون فعل الاولين من الملائكة يصطفون خلفهم صفا ثانيا مستديرا ثم ينزل اهل السماء الثالثة ويرمى بكوكبها المسمى زهرة فى النار فيقبضها الله بيمينه فيقول الخلائق افيكم ربنا فتقول الملائكة سبحان ربنا ليس هو فينا وهو آت فلا يزال الامر هكذا سماء بعد سماء حتى ينزل اهل السماء السابعة فيرون خلقا اكثر من جميع من نزل فيقول الخلائق افيكم ربنا فيقول الملائكة سبحان ربنا قد جاء ربنا وان كان وعد ربنا لمفعولا فيأتى الله فى ظلل من الغام والملائكة على المجنبة اليسرى منهم ويكون اتيانه اتيان الملك فانه يقول ملك يوم الدين وهو ذلك اليوم فسمى بالملك ويصطف الملائكة عليه سبعة صفوف محيطة بالخلائق فاذا ابصر الخلائق جهنم لها فوران وغيظ على الجبابرة المتكبرين يفرون بأجمعهم منها لعظم ما يرونه خوفا وفزعا وهو الفزع الاكبر الا الطائفة التى لا يحزنهم الفزع الاكبر فتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذى كنتم توعدون فهم الآمنون مع النبيين على انفسهم غير ان النبيين يفزعون على اممهم للشفقة التى جبلهم الله عليها للخق فيقولون فى ذلك سلم سلم وكان قد أمر أن ينصب للآمنين من خلقه منابر من نور متفاضلة بحسب منازلهم فى الموقف فيجلسون عيلها آمنين مبشرين وذلك قبل مجيئ الرب تعالى فاذا فر الناس خوفا من جهنم يجدون الملائكة صفوفا لا يتجاوزونهم فتطردهم الملائكة وزرعة الملك الحق سبحانه وتعالى الى الحشر فيناديهم انبياؤهم ارجعوا ارجعوا او ينادى بعضهم بعضا فهو قول الله تعالى فيما يقول رسول الله عليه السلام "انى اخاف عليكم يوم التناد يوم تولون مدبرين مالكم من الله من عاصم" انتهى.
يقول الفقير دل هذا البيان على ان المراد بالوهى سقوط السماء على الارض التى تسمى بالساهرة وان نزول الملائكة على ارجاء السماء لا يكون يوم يقوم الناس من قبورهم بالنفخة الثانية وان ذكر فى اثناء النفخة الاولى كما دل عليه ما بعد الآية من حمل العرش والارض اللذين انما يكونان بعد النفخة الثانية وان معنى نزولهم طرد الخلق ونحوه كما قال تعالى
{ لا تنفذون الا بسلطان } اى لا تقصدون مهربا الا وهناك لى اعوان ولى به سلطان { ويحمل عرش ربك } وهو الفلك التاسع وهو جسم عظيم لا يعلم عظمه الا الله تعالى لانه فى الآفاق بمنزلة لقلب فى الانفس والقلب اوسع شئ لما وسع الله كما فى الحديث وكان عرش الرحمن والفائدة فى ذكر العرش عقيب ما تقدم ان العرش بحاله خلاف السماء والارض ولذلك لا يفنى وايضا له وجه آخر سيأتى وعن على بن الحسن رضى الله عنهما قال ان الله خلق العرش رابعا لم يخلق قبله الا ثلاثة الهوآء والقلم والنور ثم خلق العرش من انوار مختلفة من ذلك نور أخضر منه اخضرت الخضرة ونور أصفر منه اصفرت الصفرة ونورأحمر منه احمرت الحمرة ونور أبيض وهو نور الانوار ومنه ضوء النهار قال بعض الكبار الانوار الاربعة على عدد المراتب الاربع فاذا اعطى الانوار يعطى فى مرتبة الطبيعة نورا اسود وفى مرتبة النفس نورا احمر وفى مرتبة الروح نورا اخضر وفى مرتبة السر نورا ابيض { فوقهم } اى فوق الملائكة الذين هم على الارجاء او فوق الثمانية اى يجملون العرش فوق انفسهم فالمحمول لا يلزم ان يكون فوق الحامل فقد يكون فى يده وقد يكون فى جيبه فكل واحد من قوله فوقهم ويومئذ ظرف لقوله يحمل حينئذ واما على التقدير الاول فالظاهر أن فوقهم حال من ثمانية قدمت عليها لكونها نكرة { يومئذ } اى يوم القيامة { ثمانية } من الملائكة عن النبى عليه السلام هم اليوم اربعة فاذا كان يوم القيامة ايدهم الله باربعة اخرى فيكون ثمانية قال بعض العلماء الاربعة اللاحقة اشارة الى الأئمة الاربعة الذين هم أبو حنيفة والشافعى ومالك واحمد لانهم اليوم حملة الشرع فاذا كان يوم القيامة انقلب الشرع والعرش فيكونون من حملته حكما وروى ثمانية املاك ارجلهم فى تخوم الارض السابعة والعرش فوق رؤوسهم وهم مطرقون مسبحون قال عليه السلام "اذن لى ان احدث عن ملك من حملة العرش من شحمة اذنه الى عاتقه خفقان الطير مسيرة سبعمائة سنة يقول سبحانك حيث كتت" قال يحيى بن سلام يبلغنى ان اسمه زوقيل وعن الحسن البصرى قدس سره ثمانية اى ثمانية آلاف وعن الضحاك ثمانية صفوف لا يعلم عددهم الا الله يقول الفقير الانسب هو الاول لكونه أدخل فى العظمة والهيبة واظهار والقدرة ولان الاركان اربعة كاركان الكعبة واركان القلب اذ فى يمين القلب الروح والسر وفى يساره النفس والطبيعة وباعتبار الظاهر والباطن يحصل ثمانية آلاف اذا لالف تفصيل الواحد بحيث لا تفصيل ورآءه الا باعتبار التضعيف والله اعلم ومر فى اوآئل سورة حم المؤمن بعض ما يتعلق بهذا المقام فلا نعيده وفى التأويلات النجمية يشير الى عرش الذات الحاملة للصفات الثمانية الذاتية الغيبية التى هى مفاتيح الغيب الموصوفة بحمل ذوات الصفات والصفات تحمل ظهورات الصفات فافهم.