التفاسير

< >
عرض

يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لاَ تَخْفَىٰ مِنكُمْ خَافِيَةٌ
١٨
-الحاقة

روح البيان في تفسير القرآن

{ يومئذ } العامل فيه قوله { تعرضون } على الله اى تسألون وتحاسبون عبر عنه بذلك تشبيها له بعرض السلطان العسكر لتعرف احوالهم يقال عرض الجند اذا امرهم عليه ونظر ما حالهم والخطاب عام للكل على التغليب (روى) ان فى يوم القيامة ثلاث عرضات فاما عرضتان فاعتذار واحتجاج وتوبيخ واما الثالثة ففيها تنشر الكتب فيأخذ الفائز كتابه بيمينه والهالك بشماله وهذا العرض وان كان بعد النفخة الثانية لكن لما كان اليوم اسما لزمان متسع يقع فيه النفختان والصعقة والنشور والحساب وادخال اهل الجنة الجنة واهل النار النار صح جعله ظرفا للكل كما تقول جئت عام كذا وانما كان مجيئك فى وقت واحد من اوقاته وذهب المشبهة من حمل العرش والعرض الى كونه تعالى محمولا حاضرا فى العرش واجيب بانه تمثيل لعظمة الله بما يشاهد من احوال السلاطين يوم بروزهم للقضاء العام فيكون المراد من اتيانه تعالى فى ظلل من الغمام اتيان امره وقضائه واما حديث التحول فمحمول على ظهوره تعالى فى مرتبة الصفات ولا مناقشة فيه لان النبى عليه السلام رآه ليلة المعراج فى صورة شاب امرد لان الصورة الانسانية اجمع الصور ومثله الرؤيا المنامية والله تعالى منزه فى ذاته عن اوصاف الجسمانيات { لا تخفى منكم خافية } حال من مرفوع تعرضون ومنكم كان فى الاصل صفة لخافية قدم للفاصلة فتحول حالا اى تعرضون غير خاف عليه تعالى فعلة خفية اى سر من اسراركم وانما العرض لافشاء الحال والمبالغة فى العدل وغير خاف يومئذ على الناس كقوله تعالى { يوم تبلى السرائر } فقوله منكم يتعلق بما قبله وما بعده على التجاذب (قال فى الكشاف) خافية اى سريرة وحال كانت تخفى فى الدنيا بستر الله عليكم والسر والسريرة الذى يكتم ويخفى فتظهر يوم القيامة احوال المؤمنين فيتكامل بذلك سرورهم وتظهر احوال غيرهم فيحصل الحزن والافتضاح ففى الآية زجر عظيم عن المعصية لتأديها الا الافتضاح على رؤوس الخلائق فقلب الانسان ينبغى ان يكون بحال لو وضع فى طبق وأدير على الناس لما وجد فيه ما يورث الخجالة وهو صفة اهل الاخلاص والنصيحة.