التفاسير

< >
عرض

ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ
٣٢
-الحاقة

روح البيان في تفسير القرآن

{ ثم فى سلسلة } من نار وهى حلق منتظمة كل حلقة منها فى حلقة والجار متعلق بقوله فاسلكوه والفاء ليست بمانعة عن التعلق { ذرعها } طولها وبالفارسية كزان. والذراع ككتاب ما يذرع به حديدا او قضيبا وفى المفردات الذراع العضو المعروف ويعبر به عن المذروع والممسوح يقال ذراع من الثوب والارض والذرع بيمودن. قوله ذرعها مبتدأ خبره قوله { سبعون } والجملة فى محل الجر على انها صفة سلسلة وقوله { ذراعا } تمييز { فاسلكوه } السلك هو الادخال فى الطريق والخيط والقيد وغيرها ومعنى ثم الدلالة على تفاوت ما بين العذابين الغل وتسلية الجحيم وما بينهما وبين السلك فى السلسلة فى الشدة لاعلى تراخى المدة يعنى ان ثم اخرج عن معنى المهلة لاقتضاء مقام التهويل ذلك اذ لا يناسب التوعد يتفرق العذاب قال ابن الشيخ ان كلمتى ثم والقاء ان كانتا لعطف جملة فاسلكوه لزم اجتماع حرفى العطف وتواردهما على معطوف واحد ولا وجه له فينبغى ان يكون كلمة ثم لعطف مضمر على مضمر قبل قوله خذوه اى قيل لخزنة النار خذوه فغلوه ثم الجحيم صلوه ثم قيل لهم فى سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه فيكون الفاء لعطف المقول على المقول مع افادة معنى التعقيب وكلمة ثم لعطف القول على القول مع الدلالة على ان الامر الاخير أشد وأهول مما قبله من الاوامر مع تعاقب المأمور بها من الاخذ وجعل يده مغلولة الى عنقه وتصلية الجحيم وسلكهم اياه السلسلة الموصوفة والمعنى فأدخلوه فيها بأن تلفوها على جسده وتجعلوه محاطا به فهو فيما بينهما مرهق مضيق عليه لا يستطيع حراكا ما كما روى عن ابن عباس رضى الله عنهما ان اهل النار يكونون فىالسلسلة كما يكون الثعلب فى الجلبة والثعلب طرف خشبة الرمح الداخل فى الجلبة السنان وهى الدرع وذلك انما يكون رهقا اى غشية وبالفارسية بس در آريد اورادران يعنى درجسد او بيجد محكم تاحركت نتواند كرد. وتقديم السلسلة على السلك كتقديم الجحيم على التصلية فى الدلالة على الاختصاص والاهتمام بذكر ألوان ما يعذب به اى لا تسلكونه الا فى هذه السلسلة لانها أفظع من سائر مواضع الارهاق فى الجحيم وجعلها سبعين ذراعا ارادة لوصف بالطول كما قال ان تستغفر لهم سبعين مرة يريد مرات كثيرة لانها اذا طالت كان الارهاق اشد فهو كناية عن زيادة الطول لشيوع استعمال السبعة والسبعين والسبعمائة فى التكثير وقال سعدى المفتى الظاهر انه لا منع من الحمل على ظاهره من العدد قال الكاشفى يعنى بذراع ملك كه هرذراعى هفتاد باعست وهرباعى ازكوفه تامكه.
وقال بعض المفسرين هى بالذراع المعروفة عندنا وانما خوطبنا بما نعرفه ونحصله وقال الحسن قدس سره الله اعلم بأى ذراع هى وعن كعب لو جمع حديد الدنيا ما وزن حلقة منها ولو وضعت منها حلقة على جبل لذاب مثل الرصاص تدخل السلسلة فى فيه وتخرج من دبره ويلوى فضلها على عنقه وجسده ويقرن بها بينه وبين شياطنه.
يقول الفقير هذا يقتضى ان يكون ذلك عذاب الكافر لان جسده يكون فى العظم مسيرة ثلاثة ايام وضرسه مثل جبل احد على ما جاء فى الحديث وعن النبى عليه السلام قال لو أن رضراضة اى صخرة قدر رأس الرجل وفى رواية لو أن رضرضة مثل هذه واشار الى صخرة مثل الجمجة سقطت من السماء الى الارض وهى خمسمائة عام لبلغت الارض قبل الليل ولو أنها ارسلت من رأس السلسلة لسارت اربعين خريفا الليل والنهار قبل ان تبلغ اصلها وقعرها قال الشراح اللام فى السلسلة فى هذا الحديث للعهد اشارة الى السلسلة التى ذكرها الله فى قوله ثم فى سلسلة الخ (روى) ان شابا قد حضر صلاة الفجر مع الجماعة خلف واحد من المشايخ فقرأ ذلك الشيخ سورة الحاقة فلما بلغ الى قوله تعالى
{ خذوه فغلوه ثم الجحيم صلوه } صاح الشاب وسقط وغشى عليه فلما اتم الشيخ صلاته قال من هذا قالوا هو شاب صالح خائف من الله تعالى وله والدة عجوز ليس لها غيره قال الشيخ ارفعوه واحملوه حتى نذهب به الى امه ففعلوا ما امر به الشيخ فلما رأت امه ذلك فزعت واقبلت وقالت ما فعلتم بابنى قالوا ما فعلنا به شيأ الا انه حضر الجماعة وسمع آية مخوفة من القرءآن فلم يطق سماعها فكان هكذا بأمر الله فقالت اية آية هى فاقرأوها حتى اسمع فقرأها الشيخ فلما وصلت الآية الى سمع الشاب شهق شهقة اخرى خرجت معها روحه بأمر الله فلما رأت الام ذلك خرت ميتة وفى التأويلات النجمية قوله { ثم فى سلسلة } الخ يشير الى كثرة اخلاقه السيئة واوصافه الرديئة واحكام طبيعته الظلمانية اذ هى يوم القيامة كلها سلاسل العذاب واغلال الطرد والحجاب.