التفاسير

< >
عرض

وَلاَ بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ
٤٢
-الحاقة

روح البيان في تفسير القرآن

{ ولا بقول كاهن } كما تدعون ذلك تارة اخرى (قال الكاشفى) جنانجه عقبة بن ابى معيط كمان ميبرد.
كرر القول مبالغة فى ابطال اقاويلهم الكاذبة على القرءآن الحق والرسول الصادق والكاهن هو الذى يخبر عن الكوآئن فى مستقبل الزمان ويدعى معرفة الاسرار ومطالعة علم الغيب وفى كشف الاسرار الكاهن هو الذى يزعم ان له خدما من الجن يأتونه بضرب من الوحى وقد انقطعت الكهانة بعد نبينا محمد عليه السلام لان الجن حبسوا ومنعوا من الاستماع انتهى وقال الراغب فى المفردات الكاهن الذى يخبر بالاخبار الماضية الخفية بضرب من الظن كالعراف الذى يخبر بالاخبار المستقبلة على نحو ذلك ولكون هاتين الصناعتين مبنيتين على الظن الذى يخطئ ويصيب قال عليه السلام
"من أتى عرافا او كاهنا فصدقه بما قال فقد كفر بما انزل الله على محمد" ويقال كهن فلان كهانة اذا تعاطى ذلك وكهن اذا تخصص بذلك وتكهن تكلف ذلك انتهى وفى شرح المشارق لابن الملك العراف من يخبر بما اخفى من المسروق ومكان الضالة والكاهن من يخبر بما يكون فى المستقبل وفى الصحاح العراف الكاهن { قليلا ما تذكرون } اى تذكرا قليلا او زمانا قليلا تتذكرون اى لا تتذكرون اصلا (قال الكاشفى) اندكى بندميكيريد يعنى بندكيرنمى شويد (وفى كشف الاسرار) اندك بندمى بذيريد ودرمى باييد (وفى تاج المصادر) التذكر ياكردن ويا ياد آوردن وبندكرفتن ومذكرشدن كلمه كه مؤنث بود.
وقال بعضهم المراد من الايمان القليل ايمانهم واستيقانهم بأنفسهم وقد جحدوا بألسنتهم لا معنى النفى وقال بعضهم ان كان المراد منه الايمان الشرعى فالتقليل للنفى وان كان اللغوى فالتقليل على حاله لانهم كانوا يصدقون ببعض احكام القرءآن كالصلة والخير والعفاف ونحوها ويكذبون ببعضها كالوحدة والحقانية والبعث ونحوها وعلى هذا التذكر قيل ذكر الايمان مع نفى الشاعرية والتذكر مع نفى الكاهنية لما ان عدم مشابهة القرءآن الشعر امر بين لا ينكره الا معاند فلا مجال فيه لتوهم عذر لترك الايمان فلذلك وبخوا عليه وعجب منه بخلاف مباينته للكهانة فانها تتوقف على تذكر احواله عليه السلام ومعانى القرءآن المنافية لطريقة الكهنة ومعانى اقوالهم فالكاهن ينصب نفسه للدلالة على الضوآئع والاخبار بالمغيبات يصدق فيها تارة ويكذب كثيرا ويأخذ جعلا على ذلك ويقتصر على من يسأله وليس واحد منها من دأبه عليه السلام والحاصل ان الكاهن من يأتيه الشياطين ويلقون اليه من اخبار السماء فيخبر الناس بما سمعه منهم وما يلقيه عليه السلام من الكلام مشتمل على ذم الشياطين وسبهم فكيف يمكن أن يكون ذلك بالقاء الشياطين فانهم لا ينزلون شيأ فيه ذمهم وسبهم لا سيما على من يلعنهم ويطعن فيهم وكذا معانى ما يلقيه عليه السلام منافية لمعانى اقوال الكهنة فانهم لا يدعون الى تهذيب الاخلاق وتصحيح العقائد والاعمال المتعلقة بالمبدأ والمعاد بخلاف معانى قوله عليه السلام فلو تذكر أهل مكة معانى القرءآن ومعانى اقوال الكهنة لما قالوا بأنه كاهن وفى برهان القرءآن خص ذكر الشعر بقوله ما تؤمنون لان من قال القرءآن شعر ومحمد عليه السلام شاعر بعدما علم اختلاف آيات القرءآن فى الطول والقصر واختلاف حروف مقاطعه فلكفره وقلة ايمانه فان الشعر كلام موزون مقفى وخص ذكر الكهانة بقول ما تذكرون لان من ذهب الى ان القرءآن كهانة وان محمدا عليه السلام كاهن فهو ذاهل عن ذكر كلام الكهان فانه اسجاع لا معانى تحتها واوضاع تنبو الطباع عنها ولا يكون فى كلامهم ذكر الله انتهى قال المولى ابو السعود فى الارشاد وانت خبير بأن ذلك ايضا مما لا يتوقف على تأمل قطعا انتهى اى فتعليلهم بالفرق غير صحيح وفيه ان الانابة شرط للتذكر كما قال تعالى
{ وما يتذكر الامن ينيب } والكافر ليس من اهل الانابة وايضا ما يذكر الا اولوا الالباب اى اولوا العقول الزاكية والقلوب الطاهرة والكافر ليس منهم فليس من اهل التذكر ولا شك ان كون الشئ امرا بينا لا ينافى التذكر ألا ترى الى قوله تعالى { أإله مع الله قليلا ما تذكرون } مع ان شواهد الالوهية ظاهرة لكل بصير باهرة عند كل خبير على انه يظهر من تقريراتهم انه لا بد من التذكر فى نفى الكهانة لخفاء امرها فى الجملة بالنسبة الى الشعر والعلم عند الله العلام.