التفاسير

< >
عرض

سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى ٱلْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَىٰ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ
٧
-الحاقة

روح البيان في تفسير القرآن

{ سخرها عليهم } التسخير سوق الشئ الى الغرض المختص به قهرا والمسخر هو المقيض للفعل والمعنى سلط الله تلك الريح الموصوفة على قوم عاد بقدرته القاهرة كما شاء الظاهر أنه صفة اخرى ويقال استئاف لدفع ما يتوهم من كونها باتصالات فلكية مع انه لو كان كذلك لكان بتسببه وتقديره فلا يخرج من تسخيره تعالى { سبع ليال } منصوب على الظرفية لقوله { سخرها } انث العدد لكون الليالى جمع ليلة وهى مؤنث فتبع مفرد موصوفة يقال ليل وليلة ولا يقال يوم ويومة وكذا نهارة وتجمع الليلة على الليالى بزيادة الياء على غير القياس فيحذف ياؤها حالة التنكير بالاعلال مثل الاهالى والاهال فى جمع اهل الاحالة النصب نحو قوله تعالى { سيروا فيها ليالى واياما آمنين } لانه غير منصرف والفتح خفيف { وثمانية ايام } ذكر العدد لكون الايام جمع يوم وهو مذكر { حسوما } جمع حاسم كشهود جمع شاهد وهو حال من مفعول سخرها بمعنى حاسمات عبر عن الريح الصرصر بلفظ الجمع لتكثرها باعتبار وقوعها فى تلك الليالى والايام وقال بعضهم صفة لما قبله (كما قال الكاشفى) روزها وشبهاى متوالى.
والمعنى على الاول حال كون تلك الريح متتابعات ما خفق هبوبها فى تلك المدة ساعة حتى اهلكتهم تمثيلا لتتابعها بتتابع فعل الحاسم فى اعادة الكى على دآء الدابة مرة بعد أخرى حتى ينحسم وينقطع الدم كما قال فى تاج المصادر الحسم يريدون وييوسته داغ كردن. فهو من استعمال المقيد فى المطلق اذ الحسم هو تتابع الكى او نحسات حسمت كل خير واستأصلته او قاطعات قطعت دابرهم والحاصل ان تلك الرياح فيها ثلاث حيثيات الاولى تتابع هبوبها والثانية كونها قاطعة لكل خير ومستأصلة لكل بركة اتت عليها والثالثة كونها قاطعة دابرهم فسميت حسوما بمعنى حاسمات اما تشبيها لها بمن يحسم الدآء فى تتابع الفعل واما لان الحسم فى اللغة القطع والاستئصال وسمى السيف حساما لانه يحسم العدو عما يريده من بلوغ عداوته وهى كانت ايام برد العجوز من صبيحة الاربعاء لثمان بقين من شوال ويقال آخر أسبوع من شهر صفر الى غروب الاربعاء الآخر وهو آخر الشهر وعن ابن عباس رضى الله عنه برفعه آخر أربعاء فى الشهر يوم نحس مستمر وانما سميت عجوزا لان عجوزا من عادتوارت فى سرب اى فى بيت فى الارض فانتزعتها الريح فى اليوم الثامن فأهلكتها وقيل هى ايام العجز وهى آخر الشتاء ذات برد ورياح شديدة فمن نظر الى الاول قال برد العجوز ومن نظر الى الثانى قال برد العجز وفى روضة الاخبار رغبت عجوز الى اولادها أن يزوجوها وكان لها سبعة بنين فقالوا الى أن تصبرى على البرد عارية لكل واحد منا ليلة ففعلت فلما كانت فى السابعة ماتت فسميت تلك الايام ايام العجوز واسماء هذه الايام الصن وهو بالكسر اول ايام العجوز كما فى القاموس والصنبر وهى الريح الباردة والثانى من ايام العجوز كما فى القاموس والوبر وهو ثالث ايام العجوز والمعلل كمحدث وهو الرابع من ايامها ومطفىء الجمر وهو خامس ايام الجعوز او رابعها كما فى القاموس وقيل مكفئ الظعن اى مميلها وهو جمع ظعينه وهو الهودج فيه امرأة ام لا والآمر والمؤتمر قال فى القاموس آمر ومؤتمر آخر ايام العجوز قال الشاعر

كسع الشتاء بسبعة غبر ايام شهلتنا من الشهر
فاذا انقضت ايام شهلتنا بالصن والصنبر والوبر
وبآمر واخيه مؤتمر ومعلل وبمطفئ الجمر
ذهب الشتاء موليا هربا وأتتك موقدة من الحر

قال فى الكواشى ولم يسم الثامن لان هلاكهم واهلاكها كان فيه وفى عين المعانى ان الثامن هو مكفئ الظعن ثم قال فى الكواشى ويجوز انها سميت ايام العجوز لعجزهم عما حل بهم فيها ولم يسم الثامن على هذا لاهلاكهم فيه والذى لم يسم هو الاول وان كان العذاب واقعا فى ابتدآئه لان ليلته غير مذكورة فلم يسم اليوم تبعا للتلة لان التاريخ يكون بالليالى دون الايام فالصن ثانى الايام الثمانية اول الايام المذكورة لياليها انتهى.
يقول الفقير سر العدد أن عمر الدنيا بالنسبة الى الانس سبعة ايام من ايام الآخرة وفى اليوم الثامن تقع القيامة ويعم الهلاك ثم فى الليالى السبع اشارة الى الليالى البشرية الساترة للصفات السبع الالهية التى هى الحياة والعلم والارادة والقدرة والسمع والبصر والكلام وفى الايام اشارة الى الايام الكاشفات للصفات الثمان الطبيعية وهى الغضب والشهوة والحقد والحسد والبخل والجبن والعجب والشره التى تقطع امور الحق واحكامه من الخيرات والمبرات يعنى قاطعات كل خير وبر وقال القاشانى واما عاد المغالون المجاوزون حد الشرآئع بالزندقة والاباحة فى التوحيد فأهلكوا بريح هوى النفس الباردة بجمود الطبيعة وعدم حرارة الشوق والعشق العاتية اى الشديدة الغالبة عليهم الذاهبة بهم فى اودية الهلاك سخرها الله عليهم فى مراب الغيوب السبع التى هى لياليهم لاحتجابهم عنها والصفات الثمان الظاهرة لهم كالايام وهى الوجود والحياة والعلم والقدرة والسمع والبصر والتكلم على ما ظهر منهم وما بطن تقطعهم وتستأصلهم { فترى } يا محد او يامن شأنه أن يرى ويبصر ان كنت حاضرا حينئذ { القوم } اى قوم عاد فاللام للعهد وبالفارسية بس توميديدى قوم عاد را اكر حاضر مى بودى { فيها } اى فى محال هبوب تلك الريح او فى تلك الليالى والايام ورجحه ابو حيان للقرب وصراحة الذكر { صرعى } موتى جمع صريع كقتلى وقتيل حال من القوم لان الروية بصرية ولصريع بمعنى مصروع اى مطروح على الارض ساقط لان الصرع الطرح وقد صرعوا بموتهم { كأنهم } كوبيا ايشان ازعظم اجسام { اعجاز نخل } بيخهاى درخت خرما اند.
الكاف فى موضع الحال اما من القوم على قول من جوز حالين من ذى حال واحد او من المنوى فى صرعى عند من لم يجوز ذلك اى مصروعين مشبهين باصول نخل كما قال فى القاموس العجز مثلثة وكندس وكتف مؤخر الشئ واعجاز النخل اصولها انتهى والنخل اسم جنس مفرد لفظا وجمع معنى واحدتها نخلة { خاوية } اصل الخوى الخلاء يقال خوى بطنه من الطعام اى خلا والمعنى متأكلة الاجواف خالتتها لا شئ فيها يعنى انهم متساقطون على الارض امواتا طوالا غلاظا كأنهم اصول نخل مجوفة بلا فروع شبهوا بها من حيث ان ابدانهم خوت وخلت من ارواحهم كالنخل الخاوية وقيل كانت الريح تدخل من افواهم فتخرج ما فى اجوافهم من ادبارهم فصاروا كالنخل الخاوية ففيه اشارة الى عظم خلقهم وضخامة اجسادهم ولذا كانوا يقولون من اشد منا قوة والى الذ الريح ابلتهم فصاروا كالنخل الموصوفة وفيه اشارة الى ان اهل النفس موتى لا حياة حقيقية لهم لانهم قائمون بالنفس لا بالله كما قال كأنهم خشب مسندة كأنهم أعجاز نخل اى اقوياء بحسب الصورة لا معنى فيهم ولا حياة ساقطة عن درجة الاعتبار والوجود الحقيقى اذ لا تقوم بالله والى ان النفس وصفاتها مجوفة ليس لها بقاء انما هو بفيض الروح يعنى ان الذى رش عليه من رطوبة الروح حى باذن الله وصلح قابلا للصفات الالهية والامات وفسد.