التفاسير

< >
عرض

وَجَاوَزْنَا بِبَنِيۤ إِسْرَآئِيلَ ٱلْبَحْرَ فَأَتَوْاْ عَلَىٰ قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَىٰ أَصْنَامٍ لَّهُمْ قَالُواْ يٰمُوسَىٰ ٱجْعَلْ لَّنَآ إِلَـٰهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ
١٣٨
إِنَّ هَـٰؤُلاۤءِ مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ
١٣٩
قَالَ أَغَيْرَ ٱللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَـٰهاً وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى ٱلْعَالَمِينَ
١٤٠
وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِّنْ آلِ فِرْعَونَ يَسُومُونَكُمْ سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَآءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآءَكُمْ وَفِي ذٰلِكُمْ بَلاۤءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ
١٤١
-الأعراف

روح البيان في تفسير القرآن

{ وجاوزنا ببنى إسرائيل البحر } فاعل بمعنى فعل يقال جاوز وجاز بمعنى واحد وجاوز الوادى اذا قطعه وجاوز بغيره البحر عبر به فالباء هنا معدية كالهمزة والتشديد فكأنه قال وجزنا ببنى اسرائيل البحر اى اجزناهم البحر وجوزناهم بالفارسية [وبكذرانيديم بنى اسرائيل را از دريا بسلامت] والمراد بحر القلزم واخطأ من قال انه نيل مصر.
قال فى القاموس القلزم كقنفذ بلد بين مصر ومكة قرب جبل الطور واليه يضاف بحر القلزم لانه على طرفه او لانه يبتلع من ركبه لان القلزمة الابتلاع -روى- انه عبر بهم موسى عليه السلام يوم عاشوراء فصاموا شكرا لله تعالى { فأتوا } اى مروا { على قوم } كانوا من العمالقة الكنعانيين الذين امر موسى عليه السلام بقتالهم وقيل كانوا من لخم وهو حى من اليمن ومنهم كانت ملوك العرب فى الجاهلية.
وعن الزمخشرى انه قبيلة بمصر { يعكفون على اصنام لهم } اى يواظبون علىعبادتها ويلازمونها.
قال فى تاج المصادر العكوف [كرد جيزى در آمدن ودر جايى مقيم شدن] يقال عكفه حبسه وعكف عليه اقبل عليه مواظبا { قالوا } عند ما شاهدوا احوالهم { يا موسى اجعل لنا آلها } مثالا نعبده { كما لهم آلهة } يعبدونها. والكاف متعلقة بمحذوف وقع صفة لآلها وما موصولة ولهم صلتها وآلهة بدل من ما والتقدير اجعل لنا آلها كائنا كالذى استقر هو لهم فالعائد محذوف وكانت اصنامهم تماثيل بقر وهو اول شأن العجل { قال انكم قوم تجهلون } وصفهم بالجهل المطلق حيث لم يذكر المفعول لبعد ما صدر عنهم عن العقل بعد ما شاهدوا من الآية الكبرى والمعجزة العظمى { ان هؤلاء } يعنى القوم الذين يعبدون تلك التماثيل { متبر } اسم مفعول من باب التفعيل يقال تبره تتبيرا اى كسره واهلكه والمعنى مكسر ومهلك { ما هم فيه } اى من الدين الباطل. يعنى ان الله تعالى يهدم دينهم الذى هم عليه عن قريب ويحطم اصنامهم ويجعلها رضاضا اى فتاتا. قوله ما هم فيه مبتدأ ومتبر خبر له ويجوز ان يكون ما هم فيه فاعل متبر لاعتماده على المسند اليه { وباطل } اى مضمحل بالكلية { ما كانوا يعملون } من عبادتهم وان كان قصدهم بذلك التقرب الى الله تعالى فانه كفر محض { قال } موسى { أغير الله } أغير المستحق للعبادة { أبغيكم } بحذف اللام اى ابغى لكم اى اطلب لكم { آلها } تمييز من غير او حال فانه مفعول ابغى والهمزة فيه للانكار والمنكر هو كون المبغى غيره تعالى { وهو فضلكم على العالمين } اى والحال انه تعالى خصكم بنعم لم يعطها غيركم وهى الآيات القاهرة والمعجزات الباهرة وانما لم يحصل مثلها لاحد من العالمين.
قال الحدادى على عالمى زمانكم من القبط وغيرهم بعدما كنتم مستعبدين اذلاء وفيه تنبيه على سوء معاملتهم حيث قابلوا تخصيص الله اياهم من بين امثالهم بما لم يستحقوه تفضلا بان قصدوا الى اخس شيء من مخلوقاته تعالى فجعلوه شريكا له تعالى: قال الحافظ

همايى جون توعالى قدر حرص استخوان تاكى دريغ آن سايه دولت كه برنا اهل افكندى

فتبا لمن لا يعرف قدره ويعلق همته بما لا ينبغى له

خلق را نيست سيرت بدران همه برسيرت زمانه روند

ثم ذكر نعمة الانجاء وما يتبعه قال تعالى { وإذ أنجيناكم من آل فرعون } اى واذكروا يا بنى اسرائيل صنيعة الله معكم فى وقت انجائكم وتخليصكم من ايدى آل فرعون باهلاكهم بالكلية ثم استأنف ببيان ما انجاهم منه فقال { يسومونكم سوء العذاب } اى يبغونكم اشد العذاب وافظعه من سام السلعة اذا طلبها ثم ابدل منه وبين فقال { يقتلون أبناءكم } اى يذبحونهم { ويستحيون نساءكم } اى يستبقونهن للاستخدام { وفى ذلكم } اى الانجاء او سوء العذاب { بلاء } اى نعمة او محنة فان البلاء يطلق على كل واحد منهما قال تعالى { { وبلوناهم بالحسنات والسيآت } [الأعراف: 168].
{ من ربكم } من مالك اموركم فان النعمة والنقمة كلتيهما منه سبحانه وتعالى { عظيم } لا يقادر قدره. تقدم الكلام على الانجاء وفضيلة عاشوراء فى سورة البقرة فليطلب ثمة.
والاشارة ان بنى اسرائيل صفات القلب كانت معذبة فى مصر القالب وصفاتها فلما خلصها الله تعالى من بحر الدنيا وفرعون النفس { فأتوا على قوم } اى وصلوا الى صفات الروح { يعكفون على اصنام لهم } من المعانى المعقولة والمعارف الروحانية فاستحسنوها وارادوا العكوف على عتبة عالم الاوراح { قالوا } الموسى الوارد الربانى الذى جاوز بهم فى بحر الدنيا { يا موسى اجعل لنا آلها كمالهم آلهة } يشير الى انه لولا ان فضل الله ورحمته على العبد يثبته على قدم العبودية وصدق الطلب الى ان يبلغه الى المقصد الا على لكان العبد يركن الى كل شيء من حسائس الدنيا فضلا عن نفائس العقبى كقوله تعالى لسيد البشر عليه السلام
{ { ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئاً قليلا } [الإسراء: 74].
{ قال } لهم موسى الوارد الربانى عند ركونهم الى الروحانية { انكم قوم تجهلون } قدر الله وعنايته معكم { ان هؤلاء } يعنى صفات الروح { متبر ما هم فيه } من الركون والعكوف على استجلاء المعانى المعقولة والمعارف الروحانية { وباطل ما كانوا يعملون } فى غير طلب الحق والوصول الى المعارف الربانية { قال أغير الله ابغيكم آلها } اى انزلكم منزلا غير الوصول والوصال { وهو فضلكم على العالمين } من الحيوانات والجن والملك تفضيل العبور من الجسمانيات والروحانيات والوصول الى المعارف والحقائق الآلهيات { واذ انجيناكم من آل فرعون } يعنى من النفس وصفاتها { يسومونكم سوء العذاب } اى سوء عذاب البعد { ويقتلون ابناءكم } اى يبطلون اعمالكم الصالحة التى هى متولدات من صفات القلب بآفة الرياء والعجب النفسانى { ويستحيون نساءكم } يعنى صفات القلب لاستخدام النفس وصفاتها { وفى ذلكم بلاء من ربكم عظيم } يعنى فكان فى استخدام صفات القلب للنفس وصفاتها بان تعمل الصالحات رياء وسمعة لجلب المنافع الدنيوية لحظوظ النفس بلاء عظيم من ربكم فخلصكم منه لئلا تطلبوا غيره ولا تعبدوا سواه فلا تركنوا الى الروحانية والى المعقولات لكى تظفروا بمراتب الوصول ودرجات الوصال كذا فى التأويلات النجمية.
وعن بعض الكبار اول وصال العبد الحق هجرانه لنفسه واول هجران الحق العبد مواصلته لنفسه واول درجات القرب محو شواهد النفس واثبات شواهد الحق ومن طلب الدلالة فانها لا غاية لها ومن طلب الله عز وجل وجده باول خطوة يقصده بها: قال الحافظ

غرض زمسجد وميخانه ام مصال شماست جز اين خيال ندارم خدا كواه منست

قال بعض الصالحين عرضت على الدنيا بزينتها فاعرضت عنها ثم عرضت الاخرى بحورها وقصورها وزينتها فاعرضت عنها فقيل لو اقبلت على الاولى حجبناك عن الاخرى ولو اقبلت على الاخرى حجبناك عنا فها نحن لك وقسمتك فى الدارين تأتيك.
وقال احمد بن حضرويه رأيت رب العزة فى المنام فقال لى يا احمد كل الناس يطلبون منى الا ابا يزيد فانه يطلبنى.
وقال ابراهيم بن ادهم رأيت جبريل عليه السلام فى المنام وبيده قرطاس فقلت ما تصنع به قال اكتب اسماء المحبين فقلت اكتب تحتهم محب المحبين ابراهيم بن ادهم فنودى يا جبريل اكتبه فى اولهم.