التفاسير

< >
عرض

قَالَ يٰمُوسَىٰ إِنِّي ٱصْطَفَيْتُكَ عَلَى ٱلنَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي فَخُذْ مَآ آتَيْتُكَ وَكُنْ مِّنَ ٱلشَّاكِرِينَ
١٤٤
-الأعراف

روح البيان في تفسير القرآن

{ قال } الله تعالى لموسى حين قال تبت اليك وانا اول المؤمنين { يا موسى } ان منعتك الرؤية لصلاح حالك وبقاء ذاتك فلا تكن مغمورا محزونا لذلك { انى اصطفيتك } اى اخترتك واتخذتك قوة وآثرتك { على الناس } اى الموجودين فى زمانك وهارون وان كان نبيا واكبر منه سنا كان مأمورا باتباعه وما كان كليما ولاصاحب شرع او على الناس جميعا لان الرسالة مع الكلام ولم يحصل هذا المجموع لغيره وانما قال على الناس ولم يقل على الخلق لان الملائكة قد سمعوا كلامه تعالى من غير واسطة كما سمعه موسى عليه السلام { برسالاتى } جمع الرسالة وفى الاصل مصدر بمعنى الارسال والمراد به هنا الشيء المرسل به الى الغير وهو اسفار التوراة جمع سفر بمعنمى الكتاب يقال سفره اذا كتبه والواح التوراة اسفار من حيث انها كتبت فيها التوراة { وبكلامى } اى وبتكلمى اياك بلا واسطة وقيل المضاف محذوف اى وسماع كلامى وهذا يرد قول من يقول ان السبعين الذين اختارهم موسى سمعوا كلام الله تعالى لان فى الآية بيان الاصطفاء وهو تنصيص على التخصيص.
واعلم ان كل نبى قد اصطفاه الله على الخلق بنوع او نوعين او انواع من الكمال عند خلقته وركب فى ذرة طينته استعداده لظهور ذلك النوع من الكمال حين خمر طينة آدم بيده فاصطفى موسى بالرسالة والمكالمة دون نوح وكمال الرؤية مخصوص بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم وامته حتى استدعى موسى لنيل مقام رؤية ربه فقال اللهم اجعلنى من اصحابه - روى - انه لما كان كلم الله تعالى موسى عليه السلام يوم الطور كان على موسى جبة من صوف مخللة بالعيدان محزوم وسطه بشريط ليف وهو قائم على الجبل وقد اسند ظهره الى صخرة من الجبل فقال الله يا موسى انى قد اقمتك مقاما لم يقمه احد قبلك ولا يقومه احد بعدك وقربتك نجيا فقال موسى عليه السلام يا رب فلم اقمتنى هذا المقام قال لتواضعك يا موسى فلما سمع موسى لذاذة الكلام من ربه نادى الهى أقريب فاناجيك ام بعيد فاناديك قال يا موسى انا جليس من ذكرنى وكان موسى عليه السلام بعدما كلمه الله تعالى لا يستطيع احد ان ينظر اليه لما غشى وجهه من النور ولم يزل على وجهه برقع حتى مات - ويروى - ان امرأته قالت له انا ايم منك اى كأنى بلا زوج منذ كلمك ربك فكشف لها عن وجهه فاخذها مثل شعاع الشمس فوضعت يدها على وجهها ساعة وقالت ادع الله ان يجعلنى زوجتك فى الجنة قال ذاك ان لم تتزوجى بعدى فان المرأة لآخر ازواجها. وقيل ان الرجل اذا تبكر بالمرأة تزوجها فى الجنة. وقيل انها تكون لاحسن ازواجها خلقا ومن خصائص نبينا صلى الله عليه وسلم تحريم ازواجه اللاتى توفى عنهن على غيره ابدا { فخذ ما آتيتك } اى اعطيتك من شرف النبوة والحكمة { وكن من الشاكرين } على النعمة.
وفى التأويلات النجمية { فخذ ما آتيتك } يعنى ما ركبت فيك استعداده واصطفيتك به من الرسالة والمكالمة { وكن من الشاكرين } فان الشكر يبلغك الى ما سألت من الرؤية لان الشكر يستدعى الزيادة لقوله تعالى
{ { لئن شكرتم لأزيدنكم } [إبراهيم: 7].
والزيادة هى الرؤية لقوله تعالى
{ { للذين أحسنوا الحسنى وزيادة } [يونس: 26].
وقال عليه السلام
"الزيادة هى الرؤية والحسنى هى الجنة" .