التفاسير

< >
عرض

قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً ٱلَّذِي لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِـي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ ٱلنَّبِيِّ ٱلأُمِّيِّ ٱلَّذِي يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَٱتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ
١٥٨
-الأعراف

روح البيان في تفسير القرآن

{ قل } يا محمد { يا ايها الناس انى رسول الله اليكم جميعا } الخطاب عام وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم مبعوثا الى الكافة من الثقلين الى من وجد فى عصره والى من سيوحد بعده الى يوم القيامة بخلاف سائر الرسل فانهم بعثوا الى اقوامهم اهل عصرهم ولم تستمر شرائعهم الى يوم القيامة واليكم متعلق بقوله رسول وجميعا حال من ضمير اليكم.
قال الحدادى انى رسول الله اليكم كافة ادعوكم الى طاعة الله وتوحيده واتباعه فيما اؤديه اليكم.
وفى آكام المرجان لم يخالف احد من طوائف المسلمين فى ان الله تعالى ارسل محمدا صلى الله عليه وسلم الى الجن والانس والعرب والعجم فان قلت فى بعثة سليمان عليه السلام مشاركة له لانه ايضا كان مبعوثا الى الانس والجن وحاكما عليهما بل جميع الحيوانات قلت ان سليمان لم يبعث الى الجن بالرسالة بل بالملك والضبط والسياسة والسلطنة لانه عليه السلام استخدمهم وقضى بينهم بالحق وما دعاهم الى دينه لان الشياطين والعفاريت كانوا يقومون فى خدمته وينقادون له مع انهم على كفرهم وطغيانهم كذا حققه والهى الاسكوبى.
قال ابن عقيل الجن داخلون فى مسمى الناس لغة وهو من ناس ينوس اذا تحرك.
قال الجوهرى وصاحب القاموس الناس يكون من الانس ومن الجن جمع انس اصله اناس جمع عزيز ادخل عليه الـ { الذى } منصوب او مرفوع على المدح اى اعنى الله الذى او هو الذى { له ملك السموات والارض } [مراوراست بادشاهى آسمانها وزمينها وتدبير وتصرف دران] { لا اله الا هو } [هيج معبودى نيست مستحق عبادت جزاو] وهو بدل من الصلة التى قبله وفيه بيان لها لان من ملك العالم كان هو الاله المتفرد بالالوهية واسم هو ضمير غيبة وهو من اخص اسمائه تعالى اذا الغيبة الحقيقية انما هى له اذ لا تتصوره العقول ولا تحده الاوهام وهو اسم لحضرة الغيب الثانية التى هى اول تعينات الذات الذى هو برزخ جامع بين حكمى الاسم الباطن والظاهر وحيث تخفى فيه الواو فهو اسم لحضرة غيب الغيب وهى الحضرة الاولى من حضرات الذات وهو فاتحة الاسماء وام كتابها تنزل منزلة الالف من الحروف كذا فى ترويح القلوب لعبد الرحمن البسطامى قدس سره.
واعلم ان المقربين لا يرون موجودا سوى الله تعالى فاذا قالوا هو اشاروا له الى الحق سبحانه سواء تقدم له مرجع اولا وتحقيقه فى حواشى ابن الشيخ فى سورة الاخلاص { يحيى ويميت } زيادة تقرير للالوهية لأنه لا يقدر على الاحياء والاماتة الا الذى لا اله الا هو.
قال الحدادى يحيى الخلق من النطفة ويميتهم عند انقضاء آجالهم لا يقدر على ذلك احد سواه وقيل معناه يحيى الاموات للبعث ويميت الاحياء فى الدنيا { فآمنوا بالله ورسوله } الفاء لتفريع الامر على ما تمهد وتقرر من رسالته عليه الصلاة والسلام { النبى الامى } مدح له عليه السلام ومعنى الامى لا يقرأ ولا يكتب فيؤمن من جهته ان يقرأ الكتب وينقل اليهم اخبار الماضين ولكن يتبع لما يوحى اليه { الذى يؤمن بالله وكلماته } اى ما انزل عليه من اخبار سائر الرسل ومن كتبه ووحيه وانما وصف به لحمل اهل الكتابين على الامتثال بما امروا به والتصريح بايمانه بالله تعالى للتنبيه على ان الايمان به تعالى لا ينفك عن الايمان بكلماته ولا يتحقق الا به { واتبعوه } اى فى كل ما يأتى وما يذر من امور الدين { لعلكم تهتدون } علة للفعلين او حال من فاعليهما اى رجاء لاهتدائكم الى المطلوب اوراجين وفى تعليقه بهما ايذان بان من صدقه ولم يتبعه بالتزام احكام شريعته فهو بمعزل من الاهتداء مستمر على الغى والضلالة.
قال سيد الطائفة الجنيد قدس سره الطرق كلها مسدودة على الخلق الا على من اقتفى اثر رسول الله صلى الله عليه وسلم واتبع سنته ولزم طريقته لان طرق الخيرات كلها مفتوحة عليه وعلى المقتفين أثره والمتابعين سنته.
قال الشيخ العارف الواصل الوارث الكامل محيى الدين ابن العربى قدس سره فى بيان السنة والسنى الانسان لا يخلو ان يكون واحدا من ثلاثة بالنظر الشرعى وهو اما ان يكون باطنيا محضاً وهو القائل بتجريد التوحيد عندنا حالا وفعلا وهذا يؤدى الى تعطيل احكام الشرائع وقلب اعيانها وكل ما يؤدى الى هدم قاعدة من قواعد الدين او سنة من سننه ولو فى العادات كالاكل والشرب والرقاع فهو مذموم بالاطلاق عصمنا الله واياكم من ذلك واما ان يكون ظاهريا محصنا متقلقلا بحيث ان يؤديه ذلك الى التجسيم والتشبيه نعوذ بالله منهما فى باب الاعتقادات او يكون معتمدا على مذهب فقيه من الفقهاء اصحاب علوم الاحكام المحجوبة قلوبهم بحب الدنيا عن معاينة الملكوت فتراه خائفا من الخروج عن مذهبه فاذا سمع سنة من سنن النبى عليه السلام يحيلها على مذهب فقيه آخر فيترك العمل بها ولو اوردت الف حديث مأثور فى فضائلها فيتصامم عن سماعها بل يسئ الظن برواية المتقدمين من التابعين والسلف بناء على عدم ايراد ذلك الفقيه اياها فى كتابه فمثل ذلك ايضا ملحوق بالذم شرعا والى الله نفزع ونلتجئ من ان يجعلنا واياكم منهم واما ان يكون جاريا مع الشريعة على فهم اللسان حيث ما مشى الشارع مشى وحيث ما وقف وقف قدما بقدم حتى فى اقل شئ من الفضائل فى العبادات والعادات صارفا جل عنايته وباذلا كل مجهوده فى ان لا يفوته شئ من الافعال المحمدية فى عباداته وعاداته على حسب ما سنح له فى اثناء مطالعاته من كتب الاحاديث المعول عليها او القى فى اذنه من استاذه وشيخه المعتمد عليه ان لم يكن من اهل المطالعة فهذا هو الوسط وهو السنة والآخذ به هو السى وبهذا يصح محبة الله له - وحكى - ان الشيخ الاكبر قدس سره الاطهر قال راعيت جميع ما صدر عن النبى عليه السلام سوى واحد وهو انه عليه السلام زوج بنته عليا رضى الله عنه وكان يبيت فى بيتها بلا تكلف ولم يكن لى بنت حتى افعل كذلك - وحكى - عن سلطان العارفين ابى يزيد البسطامى قدس سره انه قال ذات يوم لاصحابه قوموا بنا حتى ننظر الى ذلك الذى قد سهر نفسه بالولاية قال فمضينا فاذا بالرجل قد قصد المسجد فرمى بزاقه نحو القبلة فانصرف ابو زيد ولم يسلم عليه وقال هذا ليس بمأمون على ادب من آداب رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف يكون مأمونا على ما يدعيه من مقامات الاولياء والصديقين - وحكى - عن احمد بن حنبلرحمه الله قال كنت يوما ما مع جماعة تجردوا ودخلوا الماء فعملت بالحديث وهو
"من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل الحمام الا بمئزر"
. ولم اتجرد فرأيت تلك الليلة قائلا يقول لى يا احمد ابشر فان الله قد غفر لك باستعمالك السنة وجعلك اماما يقتدى بك فقلت من انت قال جبريل عليه السلام.
وعن عابس بن ربيعة قال رأيت عمر بن الخطاب رضى الله عنه يقبل الحجر الاسود ويقول انى لأعلم انك حجر لا تنفع ولا تضر ولولا انى رأيت رسول الله يقبلك ما قبلتك.
واتفق المشايخ على ان من القى زمامه فى يد كلب مثلا حتى لا يكون تردده بحكم طبعه فنفسه أقوم لقبول الرياضة ممن جعل زمامه فى حكم نفسه يسترسل بها حيث شاء كالبهائم فالواجب عليك ان تكون تابعا لا مسترسلا

سك اصحاب كهف روزى جند بى مردم كرفت ومردم شد

فاذا اتبعت فاتبع سيد المرسلين محمدا صلى الله عليه وسلم الذى آدم ومن دونه من الانبياء والاولياء تحت لوائه فاذا اتبعت واحدا من امته فلا تتبعه لمجرد كونه رجلا مشهورا بين الناس مقبولا عند الامراء والسلاطين بل كان الواجب عليك ان تعرف اولا الحق ثم تزن الرجال به وفيه قال باب العلم الربانى على رضى الله عنه من عرف الحق بالرجال حار فى متاهات الضلال بل اعرف الحق تعرف اهله وبقدر متابعتك للنبى صلى الله عليه وسلم تستحكم مناسبتك به وتتأكد علاقة المحبة بينك وبينه كل ما يتعلق بالرسول صلى الله عليه وسلم من الصلاة عليه او زيارة قبره او جواب المؤذن والدعاء له عقيبه كنت مستحقا لشفاعته قالوا لو وضع شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم او عصاه او سوطه على قبر عاص لنجا ذلك العاصى ببركات تلك الذخيرة من العذاب وان كانت فى دار انسان او بلدة لا يصيب سكانها بلاء ببركاتها وان لم يشعروا بها ومن هذا القبيل ماء زمزم والكفن المبلول به وبطانة استار الكعبة والتكفن بها.
قال الامام الغزالىرحمه الله واذا اردت مثالا من خارج فاعلم ان كل من اطاع سلطانا وعظمه فذا دخل بلدته ورأى فيها سهما من جعبته او سوطا له فانه يعظم تلك البلدة واهلها فالملائكة يعظمون النبى صلى الله عليه وسلم فاذا رأوا ذخائره فى دار او بلدة او قبر عظموا صاحبه وخففوا عنه العذاب ولذلك السبب ينفع الموتى ان توضع المصاحف على قبورهم ويتلى عليهم القرآن ويكتب القرآن على القراطيس وتوضع فى ايدى الموتى كذا فى الاسرار المحمدية: قال فى المجلد الثالث من المثنوى

از انس فرزند مالك آمدست كه بمهانئ او شخصى شدست
او حكايت كرد كز بعد طعام ديد انس دستار خوانرا زردفام
جرك آلوده وكفت اى خادمه اندرا فكن درتنورش يكدمه
درتنور بر زآتش درفكند آن زمان دستار خوانرا هوشمند
جمله مهمانان دران حيران شدند انتظار دود كندورى بدند
بعد يكساعت برآورد ازتنور باك واسبيدو ازان اوساخ دور
قوم كفتند اى صحابئ عزيز جون نسوزيد ومنقا كشت نيز
كفت زانكه مصطفى دست ودهان بس بماليد اندرين دستارخوان
اى دل ترسنده ازنار وعذاب باجنان دست ولبى كن اقتراب
جون جمادى راجنتيت تشريف داد جان عاشق راجها خواهد كشاد

اللهم اجعل حرفتنا محبته وارزقنا شفاعته.