التفاسير

< >
عرض

فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُواْ ٱلْكِتَٰبَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَـٰذَا ٱلأَدْنَىٰ وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِن يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِّثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِّيثَٰقُ ٱلْكِتَٰبِ أَن لاَّ يِقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْحَقَّ وَدَرَسُواْ مَا فِيهِ وَٱلدَّارُ ٱلآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ
١٦٩
-الأعراف

روح البيان في تفسير القرآن

{ فخلف من بعدهم } من بعد المذكورين { خلف } اى بدل سوء وهم الذين كانوا فى عصر النبى صلى الله عليه وسلم الذين خلفوا من اليهود الذين فرقهم الله فى الارض امما موصوفين بانهم منهم الصالحون ومنهم دون ذلك. والخلف مصدر نعت به ولذلك يقع على الواحد والجمع يقال خلف فلان فلانا اذا كان خليفته وخلفه فى قومه خلافة اى قام مقامه فى تدبير احوال قومه.
قال ابن الاعرابى الخلف بفتح اللام الصالح وباسكان اللام الطالح ومنه قيل لرديئ الكلام خلف.
وقال محمد بن جرير اكثر ما جاء فى المدح بفتح اللام وفى الذم بتسكينها وقد يحرك فى الذم ويسكن فى المدح قال واحسبه فى الذم مأخوذا من خلف اللبن اذا حمض من طول تركه فى السقاء حتى يفسد ومنه قولهم خلف فم الصائم اذا تغيرت ريحه وفسدت فكان الرجل الفاسد مشبه به والحاصل ان كليهما يستعملان فى الشر والخير الا ان اكثر الاستعمال فى الخير بالفتح كذا فى تفسير الحدادى { ورثوا الكتاب } اى التوراة من اسلافهم يقرأونها ويقفون على ما فيها. والميراث ما صار للباقى من جهة الهالك وهو فى محل الرفع على انه نعت لقوله خلف { يأخذون عرض هذا الادنى } استئناف اى يأخذون حطام هذا الشيء الادنى يعنى الدنيا وهو من الدنو اى القرب سميت هذه الدار وهذه الحياة دنيا لدنوها وكونها عاجلة يقال دنوت منه دنوا اى قربت والدانى القريب او من الدناءة يقال دنا الرجل دناء اى صار دنيئا خسيسا لا خير فيه والمراد ما كانوا يأخذونه من الرشى فى الحكومات وعلى تحريف الكلام.
قال الحدادى سمى متاع الدنيا عرضا لقلة بقائه كأنه يعرض فيزول قال الله تعالى
{ { هذا عارض ممطرنا } [الأحقاف: 24].
يريدون بذلك السحاب { ويقولون سيغفر لنا } لا يؤاخذنا الله بذلك ويتجاوز عنه يقال غفر الله له ذنبه غطى عليه وعفا عنه. قوله سيغفر اما مسند الى الجار والمجرور بعده وهولنا واما الى ضمير الاخذ فى يأخذون كقوله
{ { اعدلوا هو أقرب } [المائدة: 8].
اى سيغفر لنا اخذ العرض الادنى.
وفى التأويلات النجمية من شأن النفوس ان يجعلوا المواهب الربانية والكشوف الروحانية ذريعة العروض الدنيوية ويصرفها فى تحصيل المال والجاه واستيفاء اللذات والشهوات ويقولون سيغفر لنا لانا وصلنا الى مقام ورتبة يغفر لنا مثل الزلات والخطيآت كما هو مذهب اهل الاباحة جهالة وغرورا منهم وفيه معنى آخر وهوانهم يقولون سيغفر لنا اذا استغفرنا منها وهم يستغفرون باللسان لا بالقلب { وان يأتهم عرض مثله يأخذوه } حال من فاعل يقولون اى يأخذون الرشى فى الاحكام وعلى تحريف الكلم للتسهيل على العامة ويقولون انه تعالى لا يؤاخذنا باخذ ما اخذناه من عرض الدنيا ويتجاوز عنه والحال انهم مصرون على اخذه عائدون الى مثله غير تائبين عنه { ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب } اى العهد المذكور فى التوراة { ان لا يقولوا على الله الا الحق } عطف بيان للميثاق اى لا تفتروا على الله مثل القطع على المغفرة مع الاصرار على الذنب { ودرسوا ما فيه } [وخوانده اند آنجه دروست واين حكم دروى نديده اند] وهو معطوف على ألم يؤخذ من حيث المعنى فانه تقرير اى اخذ عليهم ميثاق الكتاب ودرسوا ما فيه ولك ان تقول درسوا عطف على لم يؤخذ فالاستفهام التقريرى متعلق بهما { والدار الآخرة } [ورستكارى سراى ديكركه عقابست { خير } بهترست از عرض دنيا] { للذين يتقون } المعاصى والشرك واكل الحرام والافتراء على الله تعالى { أفلا تعقلون } تعلمون ذلك فلا تستبدلوا الادنى المؤدى الى العقاب بالنعيم المخلد.