التفاسير

< >
عرض

وَكَذٰلِكَ نُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ
١٧٤
-الأعراف

روح البيان في تفسير القرآن

{ وكذلك } اشارة الى مصدر الفعل المذكور بعده ومحله النصب على المصدرية اى مثل ذلك التفصيل البليغ المستتبع للمنافع الجليلة { نفصل الآيات } المذكورة لا غير ذلك { ولعلهم يرجعون } وليرجعوا عماهم عليه من الاصرار على الباطل وتقليد الاباء نفعل التفصيل المذكور. قالوا وان ابتدأ يتان ويجوز ان تكون الثانية عاطفة على مقدر مرتب على التفصيل اى وكذلك نفصل الآيات ليقفوا على ما فيها ومن المرغبات والزواجر وليرجعوا الخ هذا والاكثر على ان المقاولة المذكورة فى الآية حقيقة لما روى عن ابن عباس رضى الله عنهما من انه لما خلق الله آدم عليه السلام مسح ظهره فاخرج منه كل نسمة هو خالقها الى يوم القيامة فقال ألست بربكم قالوا بلى فنودى يومئذ جف القلم بما هو كائن الى يوم القيامة.
وقد روى عن عمر رضى الله عنه انه سئل عن الآية الكريمة فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عنها فقال
"ان الله تعالى خلق آدم ثم مسح ظهره بيمينه فاستخرج منه ذرية فقال خلقت هؤلاء للجنة وبعمل اهل الجنة يعملون ثم مسح ظهره فاستخرج منه ذرية فقال هؤلاء للنار وبعمل اهل النَّار يعملون فقال رجل ففيم العمل يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الله اذا خلق العبد للجنة استعمله بعمل اهل الجنة حتى يموت على عمل من اعمال اهل الجنة فيدخله به الجنة واذا خلق العبد للنار استعمله بعمل اهل النار حتى يموت على عمل من اعمال اهل النار فيدخل به النار" وليس المعنى انه تعالى اخرج الكل من ظهره عليه السلام بالذات بل اخرج من ظهره عليه السلام ابناءه الصلبية ومن ظهورهم ابناءهم الصلبية وهكذا الى آخر السلسلة لكن لما كان الظهر الاصلى ظهره عليه السلام وكان مساق الحديثين الشريفين بيان حال الفريقين اجمالا من غير ان يتعلق بذكر الوسائط غرض علمى نسب اخراج الكل اليه واما الآية الكريمة فحيث كانت مسوقة للاحتجاج على الكفرة المعاصرين لرسول الله صلى الله عليه وسلم وبيان عدم افادة الاعتذار باسناد الاشراك الى آبائهم اقتضى الحال نسبة اخراج كل واحد منهم الى ظهر ابيه من غير تعرض لاخراج الابناء الصلبية لآدم عليه السلام من ظهره قطعا كذا فى الارشاد.
وقال الحدادى فان قيل كيف يكون الميثاق حجة على الكفار منهم وهم لا يذكرون ذلك حين اخرجهم من صلب آدم قيل لما ارسل الله الرسل فاخبروهم بذلك الميثاق صار قول الرسل حجة عليهم وان لم يذكروا ألا ترى ان من ترك من صلاته ركعة ونسى ذلك فذكرت له ذلك الثقات كان قولهم حجة عليه.
قال المولى ابو السعود على القول الثانى وهو ما ذهب اليه الاكثر من حقيقة المقاولة ان قوله تعالى { ان تقولوا } الخ ليس مفعولا له لقوله تعالى { واشهدهم } وما يتفرع عليه من قولهم { بلى شهدنا } حتى يجب كون ذلك الاشهاد والشهادة محفوظا لهم فى الزامهم بل لفعل مضمر ينسحب الكلام عليه والمعنى فعلنا ما فعلنا من الامر بذكر الميثاق وبيانه كراهة ان تقولوا ايها الكفرة يوم القيامة انا كنا غافلين عن ذلك الميثاق لم ننبه عليه فى دار التكليف والا لعلمنا بموجبه انتهى.
وقال الكاشفى [اى درويش اين آيت مركز عهد ازلست بى خبران سركوجه غفلت را متنبه سازد والا هو شمندان ان بيداردل ازان سؤال وجواب غافل نيستند]

ألست ازازل همجنانش بكوش بفرياد قالوا بلى در خروش

[در نفحات مذكورست كه على سهل اصفهانى را كفتند كه روز بلى را ياد دارى كفت جون ندارم كوئى دى بود شيخ الاسلام خواجه انصارى فرمود كه درين سخن نقض است صوفى را دى وفردا جه بود آنروزرا هنوز شب در نيامده وصوفى در همان روزست]

روز امروزاست اى صوفى وشان كى بود ازدى واز فردا نشان
آنكه از حق نيست غافل يكنفس ماضى ومستقبل وحالست وبس

وسئل ذو النون رضى الله عنه عن سر ميثاق مقام ألست بربكم هل تذكره فقال كأنه الآن فى اذنى.
واعلم ان لبعض ارواح الكمل تحقق الاتصاف بالعلم قبل تعينه بهذا المزاج الجزئى العنصرى فى مرتبة العين والخارج من جهة كلية الروحانية المتعينة قبله فى مرتبة النفس الكلى بنفس تعين الروح الالهى الاصلى فالروح الكلى الوصف والذات من ارواح الكمل يتعين فى كل مرتبة وعالم من المراتب والعوالم التى يمر عليها عند النزول والهبوط الى مرتبة الحسن الظاهر وعالم المزاج العنصرى الى حين اتصاله بهذه النشأة العنصرية تعينا يقتضيه حكم الروح الاصلى فى ذلك العالم وفى تلك المرتبة فيعلم حالتئذ اى حالة اذ تعين حين الاتصال بهذه النشأة العنصرية مما يعلم الروح الالهى الاصلى ما شاءالله ان يعلمه من علومه ومتى كشفت هذا السر عرفت قوله عليه السلام "كنت نبيا وآدم بين الماء والطين" وسر قول ذى النون كما سبق وان شئت زيادة تحقيق هذا المقام فارجع الى مطالعة مفتاح الغيب للصدر القنوى قدس سره.
وقاال فى التأويلات النجمية فى الآية اشارة الى ان اخذ المخلوقين يكون اخذ الشىء الموجود من الشىء الموجود وان اخذ الخالق تارة هو اخذ الشىء المعدوم من العدم كقوله
{ { خلقتك من قبل ولم تك شيئاً } [مريم: 9] وتارة هو اخذ الشىء المعدوم من الشىء المعدوم كقوله { { واذ اخذ ربك من بنى آدم من ظهورهم ذريتهم } [الأعراف: 172] فكان بنوا آدم معدومين وظهورهم معدومين وذرياتهم معدومين فاخذ بكمال قدرته ذرياتهم المعدومة الى يوم القيامة من ظهورهم المعدومة من بنى آدم المعدومين فاوجدهم الله فى تلك الحالة واعطاهم وجودا مناسبا لتلك الحالة فلما استخرج الله من ظهر آدم ذرات بنيه واستخرج من ظهورهم ذرات ذرياتهم المودعة فيها الى يوم القيامة والارواح فى تلك الحالة جنود مجندة فى ثلاثة صفوف. الصف الاول ارواح السابقين. والصف الثانى ارواح اصحاب الميمنة. والصف الثالث ارواح اصحاب المشأمة تنورت الذرات بانوار ارواحها ولبست تلك الذرات الموجودة بالوجود الربانى لباس الوجود الروحانى ولبست الاسماع والابصار والافئدة لباسا روحانيا ثم خاطبهم الحق بخطاب ألست بربكم فسمع السابقون بسمع نورانى روحانى خطابه وشاهدوا بأبصار نورانية جماله واحبوه بافئدة روحانية ربانية نورانية بنور المحبة للقائه فاجابوه على المحبة فقالوا بلى انت ربنا المحبوب والمعبود شهدنا اى شاهدنا محبوبيتك وربوبيتك فاخذ مواثيقهم ان لا يحبوا ولا يعبدوا الا اياه وسمع اصحاب الميمنة بسمع روحانى خطابه وطالعوا بابصار روحانية جلاله وآمنوا بافئدة ربانية آلهية فاجابوه على العبودية وقالوا بل انت ربنا المعبود سمعنا واطعنا فاخذ مواثيقهم ان لا يعبدوا الا اياه وسمع اصحاب المشأمة خطابه بسمع روحانى من وراء حجاب العزة وفى آذانهم وقر الغرة وعلى ابصارهم غشاوة الشقاوة وعلى افئدتهم ختم المحنة فاجابوه على الكلفة وقالوا بلى انت ربنا سمعنا كرها فاخذ مواثيقهم على العبودية فالآن يرجع التفاوت بين الخليقة فى الكفر والايمان الى تفاوت الاستعدادات الروحانية والربانية فافهم جدا.
ثم اعلم انا لا نجد ان الله تعالى ذكر انه كلم احدا وهو بعد فى العدم الا بنى آدم فانه كلمهم وهم غير موجودين واجابوه وهم معدومون فجرى بالجود ما جرى لا بالوجود فهذا بدايتهم والى هذا تنتهى نهايتهم بان يكون الله تعالى وهو سمعهم وابصارهم وألسنتهم كما قال
"كنت له سمعا وبصرا ولسانا فبى يسمع وبى يبصر وبى ينطق" والى هذا اشار الجنيد حين سئل ما النهاية قال الرجوع الى البداية انتهى كلام التأويلات النجمية باختصار وقد عرفت من هذا ان اهل الحقيقة جار فى هذا المسلك على حقيقته لان من غلب روحانيته على جسمانيته يرى الامر سهلا ولا يصعب عليه شىء خلافا لاهل الظاهر والمعتزلة انكروا هذه الرواية وقالوا ان البينة شرط لحصول الحياة والعقل والفهم فتلك الذريات المأخوذة من ظهور بنى آدم لا يكون احدا منهم عالما فاهما عاقلا الا اذا حصل له قدر من الجسامة والبنية اللحمية والدموية واذا كان كذلك فمجموع تلك الاشخاص الذين خرجوا الى الوجود من اول تخليق آدم الى قيام الساعة لا تحويهم عرصة الدنيا فكيف يمكن ان يقال انهم حصلوا باسرهم دفعة واحدة فى صلب آدم فانظر الى هذا القول الضعيف والرأى السخيف ولو قلت لهم هل يستطيع الله ان يجعل السموات والارضين والجبال والشجر والماء فى بيضة من غير ان يزيد فى البيضة شيئاً ومن غير ان ينقص من هذا شيئاً لقالوا لا والعياذ بالله فعليك برعاية عهد ألست حتى ينكشف لك ما هو مستور عنك وعن امثالك وينجلى الغيب كالشمس فى مرآة بالك فتنظر كيف الصورة والمعنى والظهور والخفاء.