التفاسير

< >
عرض

وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ٱلَّذِي ۤ ءَاتَيْنَاهُ ءَايَاتِنَا فَٱنْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ ٱلشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ ٱلْغَاوِينَ
١٧٥
-الأعراف

روح البيان في تفسير القرآن

{ واتل } اقرأ يا محمد { عليهم } اى على اليهود { نبأ الذى آتيناه آياتنا } اى خبره الذى له شأن وخطر فان النبأ خبر عن امر عظيم ومعنى آتيناه آياتنا اى علمناه دلائل الوهيتنا ووحدانيتنا وفهمناه تلك الدلائل وفيه اقوال والانسب بمقام توبيخ اليهود ببهتانهم انه احد علماء بنى اسرائيل كما فى الارشاد اوهو بلعم بن باعورا كما فى منهاج العابدين للامام الغزالى وقولهم انه من الكنعانيين الجبارين انما هو لكونه ساكنا فى دارهم والمرء ينسب الى منشأه ومولده كما هو اللائح فافهم.
والاسلم فى تقرير القصة ما ذكره الحدادى فى تفسيره نقلا عن ابن عباس وابن مسعود حيث قال كان عابدا من عباد بنى اسرائيل وكان فى المدينة التى قصدها موسى عليه السلام وكان اهل تلك المدينة كفارا وكان عنده اسم الله الاعظم فساله ملكهم ان يدعو على موسى بالاسم الاعظم ليدفعه عن تلك المدينة فقال لهم دينه ودينى واحد وهذا شيء لا يكون وكيف ادعو عليه وهو نبى الله ومعه الملائكة والمؤمنون وانا اعلم من الله ما اعلم وانى ان فعلت ذلك اذهبت دنياى وآخرتى فلم يزالوا به يفتنونه بالمال والهدايا حتى فتنوه فافتتن قيل كان لبلعم امرأة يحبها ويطيعها فجمع قومه هدايا عظيمة فأتوا بها اليها وقبلتها فقالوا لها قد نزل بناماترين فكلمى بلعم فى هذا فقالت لبلعم ان لهؤلاء القوم حقا وجوارا عليك وليس مثلك يخذل جيرانه عند الشدائد وقد كانوا محسنين اليك وانت جدير ان تكافئهم وتهتم بامرهم فقال لها لولا انى اعلم ان هذا الامر من عند الله لاجبتهم فلم تزل به حتى صرفته عن رأيه فركب اتانا له متوجها الى الجبل ليدعو على موسى فما سار على الاتان الا قليلا فربضت فنزل عنها فضربها حتى كاد يهلكها فقامت فركبها فربضت فضربها فانطقها الله تعالى فقالت يا بلعم ويحك اين تذهب الا ترى الى هؤلاء الملائكة امامى يردوننى عن وجهى فكيف اريد ان تذهب لتدعو على نبى الله وعلى المؤمنين فخلى سبيلها وانطلق حتى وصل الى الجبل وجعل يدعو فكان لا يدعو بسوء الا صرف الله به لسانه على قومه ولا يدعو بخير الا صرف الله به لسانه الى موسى فقال له قومه يا بلعم انما انت تدعو علينا وتدعو له فقال هذا والله الذى املكه وانطق الله به لسانى ثم امتد لسانه حتى بلغ صدره فقال لهم قد ذهبت والله منى الآن الدنيا والآخرة فلم يبق الا المكر والحيلة فسأمكر لكم واحتال حلوا النساء وزينوهن واعطوهن الطبيب وارسلوهن الى العسكر وائمروهن لا تمنع امرأة نفسها من رجل ارادها فانهم ان زنى منهم رجل واحد كفيتموهم ففعلوا فلما دخلت النساء المعسكر مرت امرأة منهم برجل من عظماء بنى اسرائيل فقام اليها واخذ بيدها حين اعجبته بحسنها ثم اقبل بها الى موسى وقال له انى لأظنك ان تقول هذه حرام قال نعم هى حرام عليك لا تقربها قال فوالله لا نطيعك فى هذا ثم دخل بها قبة فوقع عليها فارسل الله على بنى اسرائيل الطاعون فى الوقت وكان فخاض بن العيزار صاحب امر موسى رجلا له بسطة فى الخلق وقوة فى البطش وكان غائبا حين صنع ذلك الرجل بالمرأة ما صنع فجاء والطاعون يجوس فى بنى اسرائيل فاخبر الخبر فاخذ حربته وكانت من حديد كلها ثم دخل على القبة فوجدهما كتضاجعين فدفهما بحربته حتى انتظمهما بها جميعا فخرج بهما يحملهما بالحربة رافعا بهما الى السماء والحربة قد اخذها بذراعه واعتمد بمرفقه واسند الحربة الى لحيته وجعل يقول اللهم هكذا نفعل بمن يعصيك فرفع الطاعون من حينئذ عنهم فحسب من هلك من بنى اسرائيل فى ذلك الطاعون فوجدهم سبعين الفا فى ساعة من نهار وهو ما بين ان زنى ذلك الرجل بها الى ان قتل ثم ان موسى عليه السلام افتاه يوشع بن نون حاربوا أهل تلك البلدة وغلبوهم وقتلوا منهم واسروا وأتو ببلعم اسيرا فقتل فجاؤا بما قبل من العطايا الكثيرة وغنموها { فانسلخ منها } اى من تلك الآيات انسلاخ الجلد من الشاة والحية ولم يخطرها بباله اصلا { فاتبعه الشيطان } اتبع وتبع بمعنى واحد كاردف وردف. والمعنى ان الشيطان كان وراءه طالبا لاضلاله وهو يسبقه بالايمان والطاعة لا يدركه الشيطان ثم لما انسلخ من الآيات لحقه وادركه { فكان } [بس كشت آن داننده آيات] اى فصار { من الغاوين } من زمرة الضالين الراسخين فى الغواية بعد ان كان من المهتدين. والغى يذكر بمعنى الهلاك ويذكر بمعنى الخيبة وفى القاموس غوى ضل.
قال الامام الغزالى كان بلعم بن باعورا بحيث اذا نظر رأى العرش ولم يكن له الا زلة واحدة مال الى الدنيا واهلها ميلة واحدة ولم يترك لولى من اوليائه حرمة واحدة فسلبه معرفته وكان فى اول امره بحيث يكون فى مجلسه اثنا عشر الف محبرة للمتعلمين الذين يكتبون عنه ثم صار بحيث كان اول من صنف كتابا ان ليس للعالم صانع نعوذ بالله من سخطه انتهى فلا يأمن السالك المحق مكر الله ولو بلغ اقصى مقامات الانبياء والمرسلين فلا يغلق على نفسه ابواب المجاهدات والرياضات ومخالفات النفس وهواها فى كل حال كما كان حال النبى عليه السلام والائمة الراشدين والصحابة التابعين وائمة السلف والمشايخ المتقدمين ولا يفتح على نفسه التنعم والتمتع الدنيوى فى المأكل والمشرب والملبس والمنكح والمركب والمسكن لانه كما ان لله تعالى فى مكامن الغيب للسعداء الطافا خفية مما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر كذلك له فيها بلايا لهم فليحترز السالك الصادق بل البالغ الواصل والكامل الحاذق من ان يتعرض لتلك البلايا بالتوسع فى الدنيا والتبسط فى الاحوال وتتبع الهوى كما فى التأويلات النجمية.
قال الكاشفى [شيخ الاسلام فرمود تاباد تقدير از كجا برآيد وجه بوالعجبى نمايدا اكراز جانب فضل وزد زنار بهرام كبررا كمر عشقبازى راه دين كرداند واكراز طرف عدل وزد توحيد بلعم را برانداخته باسك خسيس برابرى دهدى]

انرا برى از صومعه بردير كبران افكنى وين راكشى از بتكده سر خلقه مردان كنى
جون وجرا دركار تو عقل زبونرا كى رسد فرمان ده مطلق تويى حكمى كه خواهى آن كنى