التفاسير

< >
عرض

وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَـٰكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى ٱلأَرْضِ وَٱتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ ٱلْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَٱقْصُصِ ٱلْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ
١٧٦
-الأعراف

روح البيان في تفسير القرآن

{ ولو شئنا } رفعه { لرفعناه } الى منازل الابرار من العلماء { بها } اى بسبب تلك الآيات وملازمتها.
وقال بعضهم هى صحف ابراهيم عليه السلام وكان بلعم قد قرأها او الكلمات التى اشتملت على الاسم الاعظم { ولكنه اخلد الى الارض } اى مال الى الدنيا فلم نشأ رفعه لمباشرته لسبب نقيضه. والاخلاد الى الشيء الميل اليه مع الاطمئنان وعبر عن الدنيا بالارض لان ما فيها من العقار والرباع كلها ارض وسائر متاعها مستخرج من الارض والاخلاد الى الارض كناية عن الاعراض عن ملازمة الآيات والعمل بمقتضاها والكناية ابلغ من التصريح { واتبع هويه } فى ايثار الدنيا واسترضاه قومه فانحط ابلغ انحطاط وارتد اسفل سافلين والى ذلك اشير بقوله تعالى { فمثله } اى فصفته التى هى مثل فى الخسة والرذالة. والمثل لفظ مشترك بين الوصف وبين ما يضرب مثلا والمراد هنا الوصف كذا فى البحر { كمثل الكلب } اى كصفته فى اخس احواله وهو { ان تحمل عليه } [اكر حمله كنى برو وبرانى اورا] والخطاب لكل احد ممن لا حظ له من الخطاب فانه ادخل فى اشاعة فظاعة حاله { يلهث } اللهث ادلاع اللسان اى اخراجه بالنفس الشديد { او تتركه يلهث } اى يلهث دائما سواء حمل عليه بالزجر والطرد او ترك ولم يتعرض له فان فى الكلاب طبعا لا تقدر على نفض الهواء السخن وجلب الهواء البارد بسهولة لضعف قلبها وانقطاع فؤادها بخلاف سائر الحيوانات فانها لا تحتاج الى التنفس الشديد ولا يلحقها الكرب والمضايقة الا عند التعب والاعياء فكما ان الكلب دائم اللهث ضيق الحال فكذا هذا الكافر ان زجرته ووعظته لم ينزجر ولم يتعظ وان تركته لم يهتد ولم يعقل فهو متردد الى ما لا غاية وراءه فى الخسة والدناءة فانظر حب الدنيا وشؤمها ماذا يجلب للعلماء خاصة وفى الحديث
"من ازداد علما ولم يزدد هدى لم يزدد من الله تعالى الا بعدا"
. والنعمة انما تسلب ممن لا يعرف قدرها وهو الكفور الذى لا يؤدى شكرها وكما ان الكلب لا يعرف الا كرام من الاهانة والرفعة والشرف من الحقارة وانما الكرامة كلها عنده فى كسره يطعمها او عراق مائدة يرمى اليه سواء تقعده على سرير معك او فى التراب والقذر فكذا العبد السوء لا يعرف قدر الكرامة ويجهل حق النعمة فينسلخ عن لباس الفضل والكرم ويرتدى برداء القهر والمكر.
قال فى التأيلات النجمية فلا يغترن جاهل مفتون بان اتباع الهوى لا يضره فان الله تعالى حذر الانبياء عن اتباه الهوى واوعدهم عليه بالضلال كقوله
{ { يا داود إنا جعلناك خليفة فى الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله } [ص: 26] قال الحافظ

مباش عره بعلم وعمل فقيه مدام كه هيجكس زقضاى خداى جان نبرد

{ ذلك } اى ذلك المثل السيئ { مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا } وهم اليهود وكما ان بلعم بعدما اوتى آيات الله انسلخ منها ومال الى الدنيا حتى صار كالكلب كذلك اليهود بعدما اوتوا التوراة المشتملة على نعت الرسول صلى الله عليه وسلم وذكر القرآن المعجز وبشرى الناس باقتراب مبعثه وكانوا يستفتحون به انسلخوا مما اعتقدوا فى حقه وكذبوه وحرفوا اسمه { فاقصص القصص } [بس بخوان برايشان اين خبررا] والقصص مصدر سمى به المفعول كالسلب واللام للعهد { لعلهم يتفكرون } راجيا تفكرهم تفكرا يؤدى بهم الى الاتعاظ.