التفاسير

< >
عرض

هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَماَّ تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّآ أَثْقَلَتْ دَّعَوَا ٱللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً لَّنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّاكِرِينَ
١٨٩
فَلَمَّآ آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلاَ لَهُ شُرَكَآءَ فِيمَآ آتَاهُمَا فَتَعَالَى ٱللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ
١٩٠
-الأعراف

روح البيان في تفسير القرآن

{ هو } اى الله تعالى { الذى } اى العظيم الشأن الذى { خلقكم } جميعا وحده من غير ان يكون لغيره مدخل فى ذلك بوجه من الوجوه { من نفس واحدة } هو آدم عليه السلام فكما ان النفوس خلقت من نفس واحدة هى نفس آدم فكذا الارواح خلقت من روح واحد هو روح محمد صلى الله عليه وسلم فكان هو ابا الارواح كما كان آدم ابا البشر لقوله عليه السلام "انما انا لكم كالوالد لولده"
. وقوله "اول ما خلق الله روحى"
. فان اول كل نوع هو المنشأ منه ذلك النوع من الحيوان والنبات

كر بصورت من زآدم زاده ام من بمعنى جد جد افتاده ام

{ وجعل } انشأ { منها } اى من جنس تلك النفس الواحدة { زوجها } حواء او من جسدها لما يروى ان الله تعالى خلق حواء من ضلع من اضلاع آدم عليه الصلاة والسلام والاول هو الانسب اذ الجنسية هى المؤدية الى الغاية الآتية لا الجزئية { ليسكن } تلك النفس والتذكير باعتبار المعنى يعنى آدم { اليها } اى الى الزوج وهى حواء اى ليستأنس بها ويطمئن اليها اطمئنانا مصححا للازدواج { فلما تغشيها } لم يقل تغشتها باعتبار آدم ايضا والتغشى والتغشية التغطية بالفارسى [جيزى بركسى بوشانيدن] كنى به عن الجماع لان الرجل يغطى المرأة ويسترها حال الوقاع لاستعلائه عليها { حملت حملا خفيفا } فى مبادئ الامر فانه عند كونه نطفة او علقة او مضغة اخف عليها بالنسبة الى ما بعد ذلك من المراتب فانتصاب حملا على المصدرية او حملت محمولا خفيفا وهو ما فى البطن من النطفة ونفس الجنين فانتصابه على المفعول به كقوله حملت زيدا وهو الظاهر والمشهور ان الحمل بالفتح ما كان فى البطن او على رأس الشجر وبالكسر ما كان على ظاهر انسان او على الدابة { فمرت به } اى فاستمرت به كما كان من قبل حيث قامت وقعدت واخذت وتركت ولم تكترث بحملها فمرت من المرور بمعنى الذهاب والمضى لا من المر بمعنى الاجتياز والوصول يقال مر عليه وبه يمر مرا اى اجتاز ومر يمر مرا ومرورا اى ذهب واستمر مثله والسين فيه للطلب التقديرى كما فى استخرجته { فلما اثقلت } اى صارت ذا ثقل بكبر الولد فى بطنها { دعوا الله } اى آدم وحواء عليهما السلام لما دهمهما امر لم يعهداه ولم يعرفا مآله فاهتماما به وتضرعا اليه تعالى { ربهما } اى مالك امرهما الحقيق بان يخص به الدعاء ومتعلق الدعاء محذوف اى دعواه تعالى فى ان يؤتيهما ولدا صالحا ووعدا بمقابلته الشكر وقالا { لئن آتيتنا صالحا } اى ولدا سوى الاعضاء او صالحا فى امر الدين { لنكونن من الشاكرين } لك على هذه النعمة المحددة ووجه دعائهما بذلك ان آدم رأى حين اخذ الميثاق على ذريته ان منهم سوىّ الاعضاء وغير السوىّ وان منهم التقى وغير التقى فسألا ان يكون هذا الولد سوىّ الاعضاء او تقيا نقيا عن المعصية فلما اعطاهما صالحا شكرا لانهما ليسا بحيث يعدان من انفسهما بذلك ثم لا يفعلان ذلك يقال ان حواء كانت تلد فى كل بطن ذكرا او انثى ويقال ولدت لآدم خمسمائة بطن ألف ولد.
ثم شرع فى توبيخ المسلمين بقوله { فلما آتيهما صالحا } اى فلما اعطى اولادهما المشركين البالغين مبلغ الوالد ولدا صالحا سوىّ الاعضاء { جعلا } اى جعل هذان الابوان { له } اى لله تعالى { شركاء فيما آتٰهما } بان سميا اولادهما بعبد العزى وعبد مناف ونحو ذلك وسجدا للاصنام شكرا على هذه النعمة والا ظهر تقرير ابى السعود حيث قال فى تفسيره { فلما آتيهما صالحا } اى لما آتاهما ما طلباه اصالة واستتباعا من الولد وولد الولد ما تناسلوا جعلا اى جعل اولادهما له تعالى { شركاء فيما آتيهما } اى فيما اتى اولادهما من الاولاد ففى الكلام حذف المضاف واقامة المضاف اليه مقامه والالزم نسبتهما اى آدم وحواء الى الشرك وهما بريئان منه بالاتفاق ويدل على الحذف المذكور صيغة الجمع فى قوله تعالى { فتعالى الله } [بس بزر كست خداى تعالى وباك] { عما يشركون } اىعن اشراكهم وهو تسميتهم المذكورة ولو كان المراد بالآية آدم وحواء لقال عما يشركان.