التفاسير

< >
عرض

فَوَسْوَسَ لَهُمَا ٱلشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ ٱلْخَالِدِينَ
٢٠
-الأعراف

روح البيان في تفسير القرآن

{ فوسوس لهما الشيطان } قال فى الصحاح فوسوس لهما الشيطان يريد اليهما وكلن العرب توصل بهذه الحروف كلها الفعل انتهى. والوسوسة الكلام الخفى المكرر يلقيه الشيطان الى قلب البشر ليزين له ما هو المنكر شرعا واول ما ابتدأهما به من كيده اياهما انه ناح عليهما نياحة احزنتهما حين سمعاها فقالا له ما يبكيك قال ابكى عليكما تموتان فتفارقان ما انتما فيه من النعمة والكرامة فوقع ذلك فى نفهسما ثم اتاهما فوسوس اليهما وقال ما نها كما كما يجيء { ليبدى لهما } اى ليظهر لهما. واللام للعاقبة لان اللعين انما وسوس لهما ليوقعهما فى المعصية لا لظهور عورتهما لكن لما كان عاقبة وسوسته ظهور سواتهما شبه ظهورها بالغرض الحامل على الوسوسة ويحتمل ان يكون اللام لام الغرض على انه اراد بوسوسته ان يسوءهما اى يخزيهما بانكشاف عورتهما عند الملائكة وكان قد علم ان لهما سوءة بقراءته كتب الملائكة ولم يكن آدم يعلم ذلك وفى كون الانشكاف غرضا لا بليس دليل على ان كشف العورة فى الخلوة وعند الزوج من غير حاجة قبيح مستهجن فى الطباع ولم يقع نظر على رضى الله عنه الى عورته حذرا من ان يراها بالعين التى يرى بها جمال رسول الله صلى الله عليه وسلم فاذا كان النظر الى سوءته بهذه الرتبة فما ظنك بالنظر الى سوءة الغير وما اشد قبح كشف العورة قالت عائشة رضى الله عنها ما رأى منى ولا رأيت منه اى العورة { ما وورى عنهما } اى الذى ستر عنهما وهو مجهول وارى { من سوآتهما } اى عورتها وكانا لا يريانها من انفسهما ولا احدهما من الآخر لانهما قد البسا ثوبا يستر عورتهما. والسوآت جمع السوءة والتعبير بلفظ الجمع عن اثنين لكراهة اجتماع لفظى التثنية ويحتمل ان يكون الجمع على اصل وضعه باعتبار ان كل عورة هى الدبر والفرج وذلك اربعة فهى جمع وسميت العورة سوءة لانه يسوء الانسان انكشافها { وقال } عطف على وسوس بيانا وتفصيلا لكيفية وسوسته { ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة } اى عن اكلها لامر مّا { الا } كراهة { ان تكونا ملكين } اى كالملائكة فى لطافة البينة والاستغناء عن التغذى بالاطعمة والاشربة ونحوهما وفضل الملائكة من بعض الوجوه لا يدل على فضلهم على الانبياء مطلقا لجواز ان يكون لنوع البشر فضائل اخر راجحة على ما للملك فليس المراد انقلاب حقيقتهما البشرية الى الحقيقة الملكية فانه محال.
قال سعدى المفتى فيه بحث اذ لا مانع منه عند الا شاعرة لتجانس الاجسام انتهى.
واعلم ان الله تعالى باين بين الملائكة والجن والانس فى الصورة والاشكال فمن حصل على بينة الانسان ظاهرا وباطنا فهو انسان فلو قلب الانسان الى بينة الملك لخرج بذلك عن كونه انسانا لكن الملك والشيطان لا يخرجان بالتشكلات الظاهرية المختلفة عن حقيقتهما { او تكونا من الخالدين } الذين لا يموتون ويخلدون فى الجنة.