التفاسير

< >
عرض

قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِيۤ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ ٱلرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ
٣٢
-الأعراف

روح البيان في تفسير القرآن

{ قل } لما طاف المسلمون فى ثيابهم واكلوا اللحم والدسم عيرهم المشركون لانهم كانوا يطوفون عراة ولا يأكلون اللحم والدسم حال الاحرام فامر الله حبيبه صلى الله عليه وسلم ان يقول لهم { من } استفهام انكار { حرم زينة الله } من الثياب وسائر ما يتجمل به { التى اخرج } بمحض قدرته { لعباده } من النبات كالقطن والكتان ومن الحيوان كالحرير والصوف ومن المعادن كالدروع { والطيبات من الرزق } عطف على زينة الله اى من حرم ايضا المستلذات من المآكل والمشارب كاللحوم والدسوم والالبان.
اعلم ان الرجل اذا ادى الفرائض واحب ان يتنعم بمنظر حسن وجوار جميلة فلا بأس به فمن قنع بادنى المعيشة وصرف الباقى الى ما ينفعه فى الآخرة فهو اولى لان ما عند الله خير وابقى لان الاقتصار على ادنى ما يكفيه عزيمة وما زاد عليه من التنعم ونيل اللذة رخصة دلت عليها هذه الآية ودلت ايضا على ان الاصل فى المطاعم والملابس والتجمل بانواع التجملات الاباحة لان الاستفهام فى من انكارى كما هو مذهب الشافعى واكثر اصحاب ابى حنيفة فانهم قالوا ان الاصل فى الاشياء الاباحة وذهب بعضهم الى التوقف وبعضهم الى الحظر ووجه قول القائلين بالاباحة انه سبحانه وتعالى غنى على الحقيقة جواد على الاطلاق والغنى الجواد لا يمنع ماله عن عبيده الا ما كان فيه ضرر فتكون الاباحة هى الاصل باعتبار غناه سبحانه وجوده والحرمة لعوارض فلم تثبت فبقى على الاباحة ووجه القول بالحظر ان الاشياء كلها مملوكة لله تعالى على الحقيقة والتصرف فى ملك الغير لا يثبت الا باباحة المالك فلما لم تثبت الاباحة بقى على الحظر لقيام سببه وهو ملك الغير ووجه القول بالتوقف ان الحرمة والاباحة لاتثبت الا بالشرع فقبل وروده لا يتصور ثبوت واحدة منهما فلا يحكم فيها بحظر ولا اباحة.
قال عبد القاهر البغدادى وتفسير الوقف عندهم ان من فعل شيأ قبل ورود الشرع لم يستحق بفعله من الله تعالى ثوابا ولا عقابا { قل هى } اى الزينة والطيبات كما فى التفسير الفارسى { للذين آمنوا } اى مستقرة لهم { فى الحياة الدنيا } متعلق بآمنوا او بالاستقرار الذى تعلق به للذين والمقصود الاصلى من خلق الطيبات تقوية المكلفين على طاعة الله تعالى لا تقويتهم على الكفر والعصيان فهى مختصة لاصالة للمؤمنين والكفار تبع لهم فى ذلك قطعا لمعذرتهم ولذا لم يقل هى للذين آمنوا ولغيرهم فى الدنيا { خالصة يوم القيامة } لا يشاركهم فيها غيرهم وان اشترك فيها المؤمنون والكفار فى الدنيا وانتصابها على الحال من المنوى فى قوله للذين آمنوا ويوم القيامة متعلق بخالصة.
والاشارة فى الآية من يمنعكم عن طلب كمالات اخرجها الله تعالى من غيب الغيب لخواص عباده من الانبياء والاولياء ومن حرم عليكم نيل هذه الكرامات والمقامات فمن تصدى لطلبها وسعى لها سعيا فهى مباحة له من غير تأخير ولا قصور واضافة الزينة الى الله لانه اخرجها من خزائن الطاقه وحقائق اعطافه فزين الابدان بالشرائع وآثارها وزين النفوس بالآداب واقدارها وزين القلوب بالشواهد وانوارها وزين الارواح بالمعارف واسرارها وزين الاسرار بالطوالع واثمارها بل زين الظواهر بآثار التوفيق وزين البواطن بانوار التحقيق بل زين الظواهر بآثار السجود وزين البواطن بانوار الشهود بل زين الظواهر بآثار الجود وزين البواطن بانوار الوجود والطيبات من الرزق وان ارزاق النفوس بحكم افضاله وارزاق القلوب بموجب اقباله والطيبات من الرزق على الحقيقة ما لم يكن مشوبا بحقوق النفس وحظوظها ويكون خالصا من مواهبه وحقوقه قل هى للذين آمنوا فى الحياة الدنيا اى هذه الكرامات والمقامات لهؤلاء السادات فى الدنيا مشوبة بشوائب الآفات النفسانية وكدورات الصفات الحيوانية خالصة يوم القيامة من هذه الآفات والكدورات كما قال
{ { ونزعنا ما فى صدورهم من غل } [الحجر: 47].
{ كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون } اى كتفصيلنا هذا الحكم نفصل سائر الاحكام لقوم يعلمون ما فى تضاعيفها من المعانى الرائقة.