التفاسير

< >
عرض

وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ ٱلأَنْهَٰرُ وَقَالُواْ ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِي هَدَانَا لِهَـٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلاۤ أَنْ هَدَانَا ٱللَّهُ لَقَدْ جَآءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِٱلْحَقِّ وَنُودُوۤاْ أَن تِلْكُمُ ٱلْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ
٤٣
-الأعراف

روح البيان في تفسير القرآن

{ ونزعنا } النزع قلع الشئ عن مكانه { ما فى صدورهم } قلوبهم { من غل } وهو الحقد الكامن والبغض المختفى فى الصدور اى تخرج من قلوبهم اسباب الحقد الذى كان لبعضهم فى حق بعض فى الدنيا فان ذلك الحقد انما نشأ من التعلق بالدنيا وما فيها وبانقطاع تلك العلاقة انتهى ما يتفرع عليه من الحقد ومن جملة اسبابه ايضا ان الشيطان كان يلقى الوساوس الى قلوب بنى آدم فى الدنيا وقد انقطع ذلك فى الآخرة بسبب ان الشيطان لما استغرق فى عذاب النيران لم يتفرغ لالقاء الوسوسة فى قلب الانسان ويجوز ان يكون المراد نطهر قلوبهم من الغل نفسه حتى لا يكون بينهم الا التواد يعنى لا يحسد بعض اهل الجنة بعضا اذا رآه ارفع درجة منه ولا يغتم بسبب حرمانه من الدرجات الرفيعة العالية.
قال ابن عباس رضى الله عنهما نزلت هذه الآية فى ابى بكر وعمر وعثمان وعلى وطلحة والزبير وابن مسعود وعمار بن ياسر وسلمان وابى ذر ينزع الله فى الآخرة ما كان فى قلوبهم من غش بعضهم لبعض فى الدنيا من العداوة والقتل الذى كان بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم والامر الذى اختلفوا فيه فيدخلون اخوانا على سرر متقابلين

باك وصافى شو وازجاه طبيعت بدرآى كه صفا يى ندهد آب تراب آلو ده

{ تجرى من تحتهم } اى من تحت شجرهم وغرفهم { الانهار } زيادة فى لذتهم وسرورهم { وقالوا } اى اهل الجنة اذا رأوا منازلهم { الحمد لله الذى هدٰنا } بفضله { لهذا } اى لدين وعمل جزاؤه هذا { وما كنا لنهتدى } اى لهذا المطلب الاعلى { لولا ان هدٰنا الله } ووفقنا له

كر بدرقه لطف تو ننمايد راه ازراه تو هيجكس نكردد آكاه
آنكه كه بره رسند وبايد رفتن توفيق رفيق نشد واو يلاه

ـ روى ـ عن السدى انه قال فى هذه الآية ان اهل الجنة اذا سيقوا الى الجنة وجدوا عند بابها شجرة فى اصل ساقها عينان فشربوا من احداهما فينزغ ما فى صدورهم من غل وهو الشراب الطهور واغتسلوا من الاخرى فجرت عليهم نضرة النعيم فلم يشعثوا ولم يشحبوا بعده ابدا والشعث انتشار شعر الرأس والاشعث مغبر الرأس ويقال شحب جسمه يشحب بالضم اذا تغير وشربوا واغتسلوا ويبشرهم خزنة الجنة قبل ان يدخلوها بان يقولوا لهم { ان تلكم الجنة اورثتموها بما كنتم تعملون } فاذا دخلوها واستقروا فى منازلهم منها قالوا الحمد لله الآية.
واعلم ان الغل ظلمة الصفات البشرية وكدورتها وطهارة القلوب بنور الايمان والارواح بماء العرفان والاسرار بشراب طهور تجلى صفات الجمال وليس فى صدور اهل الحقيقة من غل وغش اصلا لا فى الدنيا ولا فى العقبى { لقد جاءت رسل ربنا } جواب قسم مقدر اى والله لقد جاؤا { بالحق } فالباء للتعدية او لقد جاؤا ملتبسين بالحق فهى للملابسة يقوله اهل الجنة حين رأوا ما وعدهم الرسل عيانا واستقروا فيه اظهارا لكمال نشاطهم وسرورهم.
قال الحدادى شهادة منهم بتبليغ الرسل للحق اليهم اى جاؤا بالصدق فصدقناهم { ونودوا ان تلكم الجنة } يعنى ان الملائكة ينادونهم حين رأى المؤمنون الجنة من بعيد بان يقولوا لهم ان تلك التى رأيتموها هى الجنة التى وعدتم بها فى الدنيا فان مفسرة او مخففة وتلك مبتدأ اشير به الى ما رأوه من بعيد والجنة خبره واللام فيها للعهد { اورثتموها } اى اعطيتموها والجملة حال من الجنة { بما كنتم تعملون } فى الدنيا من الاعمال الصالحة اى بسبب اعمالكم.
فان قيل هذه الآية تدل على ان العبد يدخل الجنة بعمله وقد قال عليه السلام
"لن يدخل الجنة احدكم بعمله وانما تدخلونها برحمة الله تعالى وفضله"
. فما وجه التوفيق بينهما.
اجيب بان العمل لا يوجب دخول الجنة لذاته وانما يوجبه من حيث انه تعالى وعد للعاملين ان يتفضل بها بمحض رحمته وكمال فضله واحسانه ولما كان الوعد بالتفضل فى حق العاملين بمقابلة عملهم كان العمل بمنزلة السبب المؤدى اليها فلذلك قيل اورثتموها باعمالكم كذا فى حواشى ابن الشيخ وفى الخبر انه يقال لهم يوم القيامة
"جوزوا الصراط بعفوى وادخلوا الجنة برحمتى واقتسموها باعمالكم"
. وهى جنة الاعمال وهى التى ينزل الناس فيها باعمالهم فمن كان افضل من غيره فى وجوه التفاضل كان له من الجنة اكثر سواء كان الفاضل بهذه الحالة دون المفضول او لم يكن فما من عمل الا وله جنة يقع التفاضل فيها بين اصحابها "ورد فى الحديث الصحيح عن النبى عليه السلام انه قال لبلال يا بلال بم سبقتنى الى الجنة فما وطئت منها موضعا الا سمعت خشخشتك فقال يا رسول الله ما أحدثت قط الا توضأت وما توضأت الا صليت ركعتين فقال عليه السلام بهما"
. فعلمنا انها كانت مخصوصة بهذا العمل فما من فريضة ولا نافلة ولا فعل خير ولا ترك محرم ومكروه الا وله جنة مخصوصة ونعيم خاص يناله من دخلها.
والتفاضل على مراتب. فمنها بالسن ولكن فى الطاعة والاسلام فيفضل الكبير السن على الصغير السن اذا كانا على مرتبة واحدة من العمل. ومنها بالزمان فان العمل فى رمضان وفى يوم الجمعة وفى ليلة القدر وفى عشر ذى الحجة وفى عاشوراء اعظم من سائر الزمان. ومنها بالمكان فالصلاة فى المسجد الحرام افضل منها فى مسجد المدينة وهى من الصلاة فى المسجد الاقصى وهى منها فى سائر المساجد. ومنهما بالاحوال فان الصلاة بالجماعة افضل من صلاة الشخص وحده. ومنها بنفس الاعمال فان الصلاة افضل من اماطة الاذى ومنها فى العمل الواحد فالمتصدق على رحمه صاحب صلة رحم وصدقة وكذا من اهدى هدية لشريف من اهل البيت افضل ممن اهدى لغيره او احسن اليه ومن الناس من يجمع فى الزمن الواحد اعمالا كثيرة فيصرف سمعه وبصره ويده فيما يبتغى فى زمان صومه وصدقته بل فى زمان صلاته فى زمان ذكره فى زمان نيته من فعل وترك فيؤجر فى الزمن الواحد من وجوه كثيرة فيفضل غيره ممن ليس له ذلك.
ومن الجنات جنة اختصاص الهى وهى التى يدخلها الاطفال الذين لم يبلغوا حد العمل وحده من اول ما يولد اى يستهل صارخا الى انقضاء ستة اعوام ويعطى الله من شاء من عباده من جنات الاختصاص ما شاء. ومن اهلها المجانين الذين ما عقلوا. ومن اهلها اهل التوحيد العلمى. ومن اهلها اهل الفترات ومن لم يصل اليهم دعوة رسول.
ومن الجنات جنة ميراث ينالها كل من دخل الجنة ممن ذكرنا ومن المؤمنين وهى الاماكن التى كانت معينة لاهل النار لو دخلوها وفى الحديث
"كل من اهل النار يرى منزله فى الجنة فيقولون لو هدانا الله فيكون عليهم حسرة وكل من اهل الجنة يرى منزله فى النار فيقولون لولا ان الله هدانا " .
واعلم ان الجنة صورية ومعنوية صورية محسوسة مؤجلة ومعنوية معقولة معجلة واهلها اهل الفناء فى الله والبقاء بالله: قال الحافظ

جنت نقدست اين جا عشرت وعيش وحضور زانكه درجنت خدا بربنده ننويسد كناه

اللهم شرفنا بالجنان انك انت المنان.