التفاسير

< >
عرض

ٱدْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُعْتَدِينَ
٥٥
-الأعراف

روح البيان في تفسير القرآن

{ ادعوا ربكم } بمعنى المربى من التربية وهى تبليغ الشئ الى كماله شيأ فشيأ وهو تعالى مربى الظواهر بالنعمة وهى النفوس ومربى البواطن بالرحمة وهى القلوب ومربى نفوس العابدين باحكام الشريعة ومربى قلوب المشتاقين بآداب الطريقة ومربى اسرار المحبين بانوار الحقيقة وهو اى الرب اسم الله الاعظم ولذلك كل اسم قلبته بطل معناه الا الرب فان مقلوبه البر وهو من اسمائه تعالى واليه يشير ما روى عن الخضر عليه السلام انه قال الاسم الاعظم ما دعا به كل نبى وولى وعدو اشار الى انه مقدمة دعوات الانبياء نحو { { ربنا ظلمنا أنفسنا } [الأعراف: 23].
الآية ونحوه والصحابة نحو
{ { ربنا ما خلقت هذا باطلا } [آل عمران: 191].
الآيات والاعداء نحو
{ { رب فأنظرنى } [الحجر: 36] { ربنا ابصرنا وسمعنا فارجعنا } [السجدة: 12].
{ تضرعا وخفية } التضرع [زارى كردن] كذا فى تاج المصادر يقال ضرع الرجل يضرع ضراعة من باب فتح اى خضع وذل هما حالان من فاعل ادعوا اى متضرعين متذللين مخفين الدعاء ليكون اقرب الى الاجابة لكون الاخفاء دليل الاخلاص والاحتراز عن الرياء
"ـ روى ـ عن الصحابة رضى الله عنهم انهم كانوا فى غزوة فاشرفوا على واد فجعلوا يكبرون ويهللون رافعى اصواتهم فقال عليه السلام لهم اربعوا على انفسكم فانكم لا تدعون اصم ولا غائبا انكم تدعون سميعا بصيرا قريبا وانه لمعكم"
. اى بالعلم والاحاطة وفى الحديث استحباب الاخفاء فى ذكر الله لكن ذكر شارح الكشاف ان هذا بحسب المقام والشيخ المرشد قد يأمر المبتدى برفع الصوت لينقلع عن قلبه الخواطر الراسخة فيه كذا فى شرح المشارق لابن الملك.
قال حسين الكاشفى فى الرسالة العلية [اى درويش قومى كه كمين كاه نفس را ديدندودا نستند ذكر بجهر كفتن مناسب نديدند كه بريا انجامد ومخفى بذكر مشغول شدند وقول حق تعالى راكه]
{ { واذكر ربك فى نفسك تضرعا وخيفة } [الأعراف: 205].
[كاربستند وجمعى كه بمرتبة اخلاص رسيدند وباطن خودرا از ريا باك يافتند ذكر را بجهر كفتند وهريكى ار ازين وطائفه بر عمل خود دلائل است]: وفى المثنوى

كفت ادعوا الله بى زارى مباش تابيايد فيضهاى دوست فاش [1]
تا سقاهم ربهم آيد خطاب تشنه باش الله اعلم بالصواب [2]

وعن عمر رضى عنه قال "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا رفع يديه فى الدعاء لا يردهما حتى يمسح بهما وجهه" وذلك ليصل شئ من البركة الفائضة على اليد الى الوجه كما قال تعالى { { سيماهم فى وجوههم من اثر السجود } [الفتح: 29].
وذلك المسح فى الحقيقة رجوع الى الحقيقة الجامعة فان الوجه هو الذات كما قال فى الاسرار المحمدية ان الانسان حال دعائه متوجه الى الله تعالى بظاهره وباطنه ولذا يشترط حضور القلب فيه وصحة الاستحضار فسر الرفع والمسح ان اليد الواحدة مترجمة عن توجهه بظاهره واليد الاخرى عن توجهه بباطنه واللسان مترجم عن جملته ومسح الوجه هو التبرك والتنبيه على الرجوع الى الحقيقة الجامعة بين الروح والبدن لان وجه الشئ حقيقته والوجه الظاهر مظهرها وقال ايضا السنة للداعى فى طلب الحاجة له ان ينشرهما يعنى كفيه الى السماء وللمكروب ان ينصب ذراعيه حتى يقابل بكفيه وجهه واذا دعا على احد ان يقلب كفيه ويجعل ظهرهما الى السماء والسنة ان يخرج يديه حين الدعاء من كميه.
قال سلطان العارفين ابو يزيد البساطمى دعوت الله ليلة فاخرجت احدى يدى والاخرى ما قدرت على اخراجهما من شدة البرد فنمت فرأيت فى منامى ان يدى الظاهرة مملوءة نورا والاخرى فارغة فقلت ولم ذاك يارب فنوديت اليد التى خرجت ان يدى الظاهرة مملوءة نورا والاخرى فارغة فقلت ولم ذاك يا رب فنوديت اليد التى خرجت للطلب ملأناها والتى توارت حرمناها ورفع الايدى الى السماء والنظر اليها وقت الدعاء بمنزلة ان يشير سائل الخزانة السلطانية ثم بطلب من السلطان ان يفيض عليه سجال العطاء من هذه الخزانة قال تعالى
{ { وفى السماء رزقكم وما توعدون } [الذاريات: 22].
فالسماء قبلة الدعاء ومحل نزول البركات والافضل ان يبسط كفيه ويكون بينهما فرجة.
وان قلت ولا يضع احدى يديه على الاخرى فان كان وقت عذر او برد فاشار بالمسبحة قام مقام بسط كفيه. والمستحب ان يرفع يديه عند الدعاء بحذاء صدره كذا روى ابن عباس رضى الله عنهما فعل النبى عليه السلام كذا فى القنية { انه لا يحب المعتدين } اى المجاوزين ما امروا به فى الدعاء وغيره نبه به على ان الداعى ينبغى ان لا يطلب ما لا يليق كرتبة الانبياء والصعود الى السماء وقيل هو الصياحُ فى الدعاء والاسهاب فيه.
وعن النبى صلى الله عليه وسلم
"سيكون قوم يعتدون فى الدعاء وحسب المرء ان يقول اللهم انى اسألك الجنة وما قرّب اليها من قول وعمل واعوذ بك من النار وما قرّب اليها من قول وعمل ثم قرأ انه لا يحب المعتدين"
. فاللائق للداعى ان يدعو باهمّ الامور وهو الفوز بالجنة والنجاة من النار كما قال النبى عليه السلام للاعرابى الذى قال انى اسأل الله الجنة واعوذ به من النار انى لا اعرف دندنتك ولا دندنة معاذ وقال "حولهما ندندن"
. ومعناه انى لا اعرف ما تقول انت ومعاذ يعنى من الاذكار والدعوات المطولة ولكنى اختصر على هذا المقدار فاسأل الله الجنة واعوذ به من النار ومعنى قوله عليه السلام "حولهما ندندن"
. ان القصد بهذا الذكر الطويل الفوز بهذا الاجر الجزيل.