التفاسير

< >
عرض

وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي ٱلأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَٱدْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ ٱلْمُحْسِنِينَ
٥٦
-الأعراف

روح البيان في تفسير القرآن

{ ولا تفسدوا فى الارض } بالكفر والمعاصى { بعد اصلاحها } ببعث الانبياء وشرع الاحكام.
قال الحدادى وقيل معناه لا تعصوا فى الارض فيمسك المطر عنها ويهلك الحرث بمعاصيكم { وادعوه خوفا وطمعا } مصدران فى موقع الحال اى خائفين من الرد لقصور اعمالكم وعدم استحقاقكم وطامعين فى اجابته تفضلا واحسانا لفرط رحمته { ان رحمة الله قريب من المحسنين } وتذكير قريب مع انه مسند الى ضمير الرحمة لتأويل الرحمة بالرحم فان الرحم بضم الراء بمعنى الرحمة قال الله تعالى
{ { واقرب رحما } [الكهف: 81].
قال الكسائى اراد ان اتيان رحمة الله قريب كقوله
{ { وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا } [الأحزاب: 63].
اى لعل اتيانها والمعنى ان رحمة الله قريب من الداعين بلسان ذاكر شاكر وقلب حاضر طاهر وترجيح للطمع وتغليب لجانب الرحمة وتنبيه على وسيلة الاجابة اعنى الاحسان المفسر
"بان تعبد الله كأنك تراه فان لم تكن تراه فانه يراك"
. وفى الحديث "ادعوا الله وانتم موقنون بالاجابة"
.يعنى ليكن الداعى ربه على يقين بان الله يجيب لان رد الدعاء اما للعجز فى اجابته او لعدم كرم فى المدعو او لعدم علم المدعو بدعاء الداعى وهذه الاشياء منتفية عن الله تعالى فانه عالم كريم قادر لامانع له من الاجابة.
قال سهل ما اظره عبد فقره الى الله تعالى فى وقت الدعاء فى شئ يحل به الا قال الله تعالى لملائكته لولا انه لا يحتمل كلامى لأجبته لبيك ـ وحكى ـ ان موسى عليه السلام مرّ برجل يدعو ويتضرع فقال موسى لو كانت حاجته بيدى لقضيتها فاوحى الله تعالى اليه انا ارحم به منك ولكنه يدعونى وله غنم وقلبه فى غنمه وانا لا اقبل دعوة عبد قلبه عند غيرى فذكر ذلك للرجل فتوجه الى الله بقلبه فقضيت حاجته فيلزم حضور القلب وحسن الظن بالله فى اجابة الدعاء ـ وحكى ـ عن بعض البله وهو فى طواف الوداع انه قال له رجل وهو يمازحه هل اخذت من الله براءتك من النار فقال الابله لا وهل اخذ الناس ذلك فقال نعم فبكى ذلك الابله ودخل الحجر وتعلق باستار الكعبة وجعل يبكى ويطلب من الله ان يعطيه كتابه بعتقه من النار فجعل اصحابه والناس يلومونه ويعرفونه ان فلانا مزح معك وهو لا يصدقهم بل بقى مستقرا على حاله فبينا هو كذلك اذ سقطت عليه ورقة من جهة الميزاب فيها مكتوب عتقه من النار فسرّ بها واوقف الناس عليها وكان من آية ذلك الكتاب ان يقرأ من كل ناحية على السواء لا يتغير كلما قلبت الورقة انقلبت الكتابة لانقلابها فلعم الناس انه من عند الله. قيل دعاء العامة بالاقوال. ودعاء الزاهدين بالافعال. ودعاء العارفين بالاحوال واذا وفق الله عبدا الى نطق بامر مّا فما وفقه اليه الا وقد اراد اجابته فيه وقضاء حاجته وعدم الدعاء بكشف الضر مذموم عند اهل الطريقة لانه كالمقاومة مع الله ودعوى التحمل لمشاقه كما قال الشيخ المحقق ابن الفارض قدس سره

ويحسن اظهار التجلد للعدى ويقبح غير العجز عند الاحبة

قال الحافظ

فقير خسته بدركاهت آمدم رحمى كه جز دعاى توام نيست هيج دست آويز

[ودر منا جات شيخ الاسلام است كه خدايا اكر وفاداران بتواميد دارند جفا كاران نيز بغير توبناهى ندارند].
والاشارة ان التضرع ما يطلع عليه الخلق والخفية ما يطلع عليه الحق اى تضرعا بالجوارح وخفية بالقلوب والاعتداء فى الدعاء طلب الغير منه والرضى بما سواه ولا تفسدوا فى الارض اى فى ارض القلوب بعد اصلاحها اى بعد ان اصلحها الله برفع الوسائط بينه وبين القلوب فان فساد القلوب فى رؤية غير الحق وصلاحها فى رؤية الحق ويقال من افساد القلوب بعد اصلاحها ارسالها فى اودية المنى بعد امساكها عن متابعة الهوى ومن ذلك الرجوع الى الحظوظ بعد القيام بالحقوق وادعوه خوفا من الانقطاع وطمعا فى الاصطناع ان رحمة الله وهى بذل المتمنى قريب من المحسنين الذين يرون الله فى الطاعات اى يعبدونه طمعا فهي لامنه كذا فى التأويلات النجمية.