التفاسير

< >
عرض

فَأَنجَيْنَاهُ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَمَا كَانُواْ مُؤْمِنِينَ
٧٢
-الأعراف

روح البيان في تفسير القرآن

{ فأنجيناه } الفاء فصيحة كما فى قوله تعالى { { فانفجرت } [البقرة: 60].
اى فوقع فأنجينا هودا { والذين معه } اى فى الدين { برحمة منا } اى برحمة عظيمة كائنة من جهتنا عليهم وفيه اشارة ان هودا مع رتبة فى النبوة ودرجته فى الرسالة انما نجا برحمة من الله هو والذين آمنوا معه ليعلم ان النجاة لا تكون باستحقاق العمل وانما تكون ابتداء فضل من الله ورحمة فما نجا الا بفضل الحق سبحانه { وقطعنا دابر } القوم { الذين كذبوا بآياتنا } اى استأصلناهم اى اهلكناهم جميعا بان قطعنا عرقهم واصلهم لان دابر الشئ آخره فقطع دابر القوم اهلاكهم من اولهم الى آخرهم { وما كانوا مؤمنين } عطف على كذبوا داخل معه فى حكم الصلة اى اصروا على الكفر والتكذيب ولم يراعوا عن ذلك أبدا وفيه تنبيه على ان مناط النجاة هو الايمان بالله تعالى وتصديق آياته كما ان مدار البوار هو الكفر والتكذيب.
وقصتهم ان عادا كانوا يسكنون اليمن بالاحقاف وهى رمال يقال رمل عالج ودهمان ومرين ما بين عمان الى حضرموت وكانوا قد فشوا فى الارض وقهروا اهلها بقوتهم التى اعطاها الله اياهم وكانت لهم اصنام يعبدونها صداء وصمود والهباء فبعث الله اليهم هودا نبيا من اوسطهم فى النسب وافضلهم فى الحسب فامرهم ان يوحدوا الله ولا يعبدوا غيره وان يكفروا عن ظلم الناس فابوا عليه وكذبوا وقالوا من اشد منا قوة ازدادوا عتوا وتجبرا فامسك الله عنهم القطر ثلاث سنين حتى جهدهم ذلك وكان الناس اذا نزل بهم بلاء وجهد مضوا الى البيت الحرام بمكة مسلمهم وكافرهم وسألوا الله الفرج وكان اهل مكة يومئذ العماليق اولاد عمليق بن لاوذ بن سام بن نوح وكان رئيس العماليق يومئذ بمكة رجلا يقال له معاوية بن بكر وكانت امه من عاد فلما قحط المطر من عاد وجهدوا قالوا جهزوا منكم وفدا الى مكة يسْتسقوا فجهزوا قيل بن عتر ومرثد بن سعد فى سبعين رجلا فلما قدموا مكة نزلوا على معاوية بن كبر وهو فى خارج مكة فانزلهم واكرمهم وكانوا اخواله واصهاره فاقاموا عنده شهرا يشربون الخمر وتغنيهم الجرادتان وهما قينتان لمعاوية اسم احداهما وردة واسم الاخرى جرادة فغلبت جرادة على وردة فسميتا جرادتين فلما رأى معاوية طول مقامهم وقد بعثهم قومهم يتغوثون من البلاء الذى اصابهم شق ذلك عليه وقال قد هلك اخوالى واصهارى جهدا وعطشا وهؤلاء مقيمون عندى والله ما ادرى كيف اصنع بهم استحيى ان آمرهم بالخروج الى حاجتهم فيظنون ان ذلك لثقل مقامهم علىّ فشكا ذلك الى قينتيه الجرادتين فقالتا قل شعر تغنيهم به لا يدرون من قاله لعل ذلك يخرجهم فقال معاوية

الا يا قيل ويحك قم فهينم لعل الله يسقينا غماما
فيسقى ارض عاد ان عادا قدامسو ما يبينون الكلاما
من العطش الشديد فليس ترجو به الشيخ الكبير ولا الغلاما
وقد كانت نساؤهمو بخير فقد امست نساؤهمو ايامى
وان الوحش تأتيهم جهارا فلا تخشى لعادى سهاما
وانت ههنا فيما اشتهيتم نهارمكو وليلكمو التماما
فقبح وفدكم من وفد قوم ولا لقوا التحية والسلاما

فلما غنتهم الجرادتان بهذا قال بعضهم لبعض يا قوم لقد ابطأتم على اصحابكم فقوموا وادخلوا الحرم واستسقوا لقومكم فقال لهم مرثد والله لا تسقون بدعائكم ولكن ان اطعتم نبيكم هودا وتبتم الى الله سقيتم واظهر اسلامه فقالوا لمعاوية احبس عنا مرثدا لا يقدمن معنا مكة فانه قد اتبع دين هود وترك ديننا ثم دخلوا مكة فقام قيل يستسقى فى المسجد وقال اللهم انى لم اجئ لمريض فاداوية ولا لاسير فافاديه اللهم اسقنا فانا قد هلكنا اللهم اسق عادا ما كنت تسقيهم وقال القوم اللهم اعط قيلا ما يسألك واجعل سؤلنا مع سؤله فانشأ الله تعالى سحابات ثلاثا بيضاء وحمراء وسوداء ثم ناداه مناد من السماء يا قيل اختر لنفسك ولقومك من هذا السحاب ما شئت فقال اخترت السوداء فانها اكثر السحاب ماء فنودى اخترت دمارا رمدا لا يبقى من آل عاد ولدا ولا شيوخا الا فصاروا همدا ثم ساق الله السحابة السوداء التى اختارها قيل بما فيها من النقمة والبلاء الى عاد حتى خرجت عليهم من واد لهم يقال له المغيث فلما رأوها فرحوا وقالوا هذا عارض ممطرنا يقول الله تعالى بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب اليم تدمر كل شئ بامر ربها اى كل شئ مرت به فجاءتهم من تلك السحابة ريح عقيم سخرها الله عليهم سبع ليال وثمانية ايام حسوما اى دائما فكانت الريح تحمل الظعن ما بين السماء والارض وتدمغهم بالحجارة وكانوا قد حفروا لارجلهم فى الارض وغيبوها الى ركبهم فجعلت الريح تدخل اقدامهم وترفع كل اثنين وتضرب باحدهما الآخر فى الهواء ثم تلقيهما فى الوادى والباقون ينظرون حتى رفعتهم كلهم ثم رمت بالتراب عليهم فكان يمسع انينهم من تحت التراب فاعتزل هود ومن معه من المؤمنين فى حظيرة فما كان يصيبهم من الريح الا ما يلين جلودهم وتلذ به انفسهم قالوا ولما اراد الله ارسال الريح العقيم الى عاد اوحى الى الريح ان تخرج الى عاد فتنتقم منهم فخرجت على قدر منخر ثور حتى رجفت الارض ما بين المشرق والمغرب فقالت الخزان يا رب لن نطيقها ولو خرجت على حالها لاهلكت ما بين مشارق الارض ومغاربها فاوحى الله تعالى اخرجى على قدر خرق الخاتم فخرجت على قدر ذلك.
قال السدى فلما بعث الريح اليهم ودنت منهم نظروا الى الابل والرحال تطير بهم الريح بين السماء والارض فتبادروا الى البيوت فاخرجتهم الريح من البيوت حتى اهلكتهم على ما ذكر وسبب هلاك الابل وغيرها من الحيوانات اتصالها بملك اهل الغضب والبلية اذا نزلت فانما تنزل عامة ولله تعالى حكم ومصالح جليلة فى كل ما يحكم ويريد ولما نجا هود ومن معه من المؤمنين اتوا مكة فعبدوا الله فيها الى ان ماتوا وهكذا فعل كل نبى هلك قومه ونجا هو مع المؤمنين قال بعضهم بين الركن والمقام وزمزم تسعة وتسعون نبيا وان قبر هود وشعيب وصالح واسماعيل فى تلك البقعة وسبب الهجرة ان ارض اهل الكفر والمعاصى قد حل فيها غضب الله وذهب خيرها فاقتضى كمال الخشية من جلال الله تعالى الرحلة الى دار الامان كما قال تعالى
{ { ومن دخله كان آمنا } [آل عمران: 97].
مع ان امكنة العبادات على طبقات مختلفة متفاوتة فى مراتب الثواب فعمل واحد بمكة خير من الف عمل فى غيرها اذ هى محل انفاس الانبياء ونفوسهم ومحط رحال الاولياء ورؤسهم كما ان حال الازمنة كذلك فطوبى لعبد هاجر من ارض اهل البدعة والهوى ونزل بارض اهل السنة والهدى لان نظر الله تعالى على اهل الخير والصلاح واما من اخلد الى ارضه مع جمود اهلها وخمود نار محبتها لمجرد غرض دُنيوى من المعاش وغيره فهو ممن اهبطهُ الله الى ارض طبيعته وزحزحه عن جنته واراد خسرانه فى تجارته والا فالمهتدى الى سبيل السلام لا يقيم مع الضالين مع وضوح البرهان التام

سعد يا حب وطن كرجه حديث است صحيح نتوان مرد بسختى كه من اينجا زادم

يقول الفقير اللهم انى هاجرت من ارض اهل البغى والفساد واخترت سلوك طريق اهل الرشاد فانتقلت من ديار الروم الى ما يلحق بارضك المقدسة اعنى بروسة المحروسة اللهم ثبت قدمى فى طريقك الحق فانا الحقى ارشدنى الى ما فى الهجرة من السر المطلق آمين يا معين.