التفاسير

< >
عرض

إِنَّآ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَىٰ قَوْمِهِ أَنْ أَنذِرْ قَوْمَكَ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
١
قَالَ يٰقَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ
٢
-نوح

روح البيان في تفسير القرآن

{ انا أرسلنا نوحا الى قومه } مر سر نون العظمة مرارا والارسال يقابل بالامساك يكون للتسخير كارسال الريح والمطر ببعث من له اختيار نحو ارسال الرسل وبالتخلية وترك المنع نحوانا أرسلنا الشياطين على الكفارين قال قتادة ارسل نوح من جزيرة فذهب اليهم ونوح اسمه عبد الغفار عليه السلام سمى نوحا لكثرة نوحه على نفسه او هو سريانى معناه الساكن لان الارض طهرت من خبث الكفار وسكنت اليه وهو اول من اوتى الشريعة فى قول واول اولى العزم من الرسل على قول الاكثرين واول نذير على الشرك وكان قومه يعبدون الاصنام واول من عذبت امته وهو شيخ المرسلين بعث ابن اربعين سنة او ثلاثمائة وخمسين او اربعمائة وثمانين ولبث فيهم ألف سنة الا خمسين عاما وعاش بعد الطوفان تسعين سنة قال بعض من تصدى للتفسير فيه دلالة على انه لم يرسل الى اهل الارض كلهم لانه تعالى قال الى قومه فلو ارسل الى الكل لقيل الى الخلق او ما يشابهه كما قيل لرسول الله { وما أرسلناك الا كافة للناس } ولقول رسول الله "كان النبى يبعث الى قومه خاصة وبعثت الى الناس عامة" ثم قال ان قيل فما جريمة غير قومه حتى عممهم فى الدعاء عليهم كما قال { لا تذر على الارض من الكافرين ديارا } افانه اذا لم يرسل اليهم لم يكن كلهم مخالفا لامره وعاصيا له حتى يستحقوا الدعاء بالاهلاك أجيب بأنه يحتمل انه تحقق ان نفوس كفرة زمانه على سجية واحدة يستحقون بذلك أن يدعى عليهم بالاهلاك ايضا انتهى وفيه نظر لانه قال فى انسان العيون فى قوله عليه السلام وكان كل نبى انما يرسل الى قومه اى جميع اهل زمنه او جماعة منهم خاصة ومن الاول نوح عليه السلام فانه كان مرسلا لجميع من كان فى زمنه من أهل الارض ولما اخره بأنه لا يؤمن منهم الا من آمن معه وهم اهل السفينة وكانواثمانين اربعين رجلا واربعين امرأة او كانوا اربعمائة كما فى العوارف وقد يقال من الآدميين وغيرهم فلا مخالفة دعا على من عدا من ذكر باستئصال العذاب لهم فكان الطوفان الذى كان به هلاك جميع أهل الارض الا من آمن ولو لم يكن مرسلا اليهم ما دعا عليهم بسبب مخالفتهم له فى عبادة الاصنام لقوله تعالى وما كنا معذبين اى فى الدنيا حتى نبعث رسولا وقول بعض المفسرين ارسل الى آل قابيل لا ينافى ما ذكر لانه يجوز أن يكون آل قابيل اكثر أهل الارض وقتئذ وقد ثبت ان نوحا عليه السلام اول الرسل اى لمن يعبد الاصنام لان عبادة الاصنام اول ما حدثت فى قومه وارسله الله اليهم ينهاهم عن ذلك وحينئذ لا يخالف كون اول الرسل آدم ارسله الله الى اولاده بالايمان به تعالى وتعليم شرآئعه فان قلت اذا كانت رسالة نوح عامة لجميع اهل الارض كانت مساوية لرسالة نبينا عليه السلام قلت رسالة نوح عليه السلام عامة لجميع أهل الارض فى زمنه ورسالة نبينا محمد عليه السلام عامة لجميع من فى زمنه ومن يوجد بعد زمنه الى يوم القيامة فلا مساواة وحينئذ يسقط السؤال وهو أنه ليم يبق بعد الطوفال الا مؤمن فصارت رسالة نوح عامة ويسقط جواب الحافظ ابن حجر عنه بأن هذا العموم الذى حصل بعد الطوفان لم يكن من أصل بعثه بل طرأ بعد الطوفان بخلاف رسالة نبينا عليه السلام { أن } اى { انذر قومك } خوفهم بالنار على عبادة الاصنام كى ينتهوا عن الشرك ويؤمنوا بالله وحده فان مفسرة لما فى الارسال من معنى القول ويجوز أن تكون مصدرية حذف منها الجار وأوصل اليها الفعل اى بأن أنذرهم وجعلت صلتها امرا كما فى قوله تعالى وأن أقم وجهك لان مدار وصلها بصيغ الافعال دلالتها على المصدر وذلك لا يختلف بالخبرية والانشائية ووجوب كون الصلة خبرية فى الموصول الاسمى انما هو للتوصل الى وصف المعارف بالجمل وهى لا توصف الا بالجمل استوايا فى صحة الوصل بها فيتجرد عند ذلك كل منهما عن المعنى الخاص بصيغته فيبقى الحدث المجرد عن معنى الامر والنهى والمضى والاستقبال كأنه قيل أرسلناه بالانذار كذا فى الارشاد وقال بعض العارفين الانبياء والاولياء فى درجات القرب على تفاوت فبعضهم يخرج من نور الجلال وبعضهم من نور الجمال وبعضهم من نور العظمة وبعضهم من نور الكبرياء فمن خرج من نور الجمال اورث قومه البسط والانس ومن خرج من نور العظمه اورث قومه الهيبة والجلال وكان نوح مشكاة نور عظمة الله ولذلك أرسله الى قومه بالانذار فلما عصوه أخذهم بالقهر { من قبل أن يأتيهم } من الله تعالى { عذاب أليم } عاجل كالطوفان والغرق او آجل كعذاب لآخرة لئلا يبقى لهم عذر ما اصلا كام قال تعالى لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل والاليم بمعنى المؤلم او المتألم مبالغة والألم جسمانى وروحانى والثانى اشد كأنه قيل فما فعل نوح عليه السلام فقيل { قال } لهم { يا قوم } اى كروه من واصله يا قومى خاطبهم باظهار الشفقة عليهم وارادة الخير لهم وتطيبا لهم { انى لكم نذير } منذر من عاقبة الكفر والمعاصى وافرد الانذار مع كونه بشيرا ايضا لان الانذار أقوى فى تأثير الدعوة لما ان اكثر الناس يطيعون اولا بالخوف من القهر وثانيا بالطمع فى العطاء واقلهم يطيعون بالمحبة للكمال والجمال.
يقال الفقير الظاهر ان الانذار أول الامر كما قال تعالى لنبينا عليه السلام قم فأنذر والتبشير ثانى الامر كما قال تعالى
{ وبشر المؤمنين } فالانذار يتعلق بالكافرين والتبشير بالمؤمنين وان امكن تبشير الكفار بشرط الايمان لا فى حال الكفر فانهم فى حال الكفر انما يستحقون التبشير التهكمى كما قال تعالى { فبشرهم بعذاب أليم } { مبين } موضح لحقيقة الامر بلغة تعرفونها او بين الانذار.