التفاسير

< >
عرض

مِّمَّا خَطِيۤئَاتِهِمْ أُغْرِقُواْ فَأُدْخِلُواْ نَاراً فَلَمْ يَجِدُواْ لَهُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ أَنصَاراً
٢٥
-نوح

روح البيان في تفسير القرآن

{ مما خطيئاتهم } اى من اجل خطيئات قوم نوح واعمالهم المخالفة للصواب وهى الكفر والمعاصى وما مزيدة بين الجار والمجرور لتأكيد الحصر المستفاد من تقديم قوله مما خطيئاتهم فانه يدل على ان اغراقهم بالطوفان لم يكن الا من اجل خطيئاتهم تكذيبا لقول المنجمين من ان ذلك كان لاقتضاء الاوضاع الفلكية اياه ونحو ذلك فانه كفر لكونه مخالفا لصريح هذه الآية ولزيادة ما الابهامية فائدة غير التوكيد وهى تفخيم خطيئاتهم اى من اجل خطيئاتهم العظيمة ومن لم ير زيادتها جعلها نكرة وجعل خطيئاتهم بدلا منها والخطيئات جمع خطيئة وقرأ ابو عمر وخطاياهم بلفظ الكثرة لان المقام مقام تكثير خطيئاتهم لانهم كفروا ألف سنة والخطيئات لكونه جمع السلامة لا يطلق على ما فوق العشرة الا بالقرينة والظاهر من كلام الرضى ان كل واحد من جمع السلامة والتكثير لمطلق الجمع من غير نظر الى القلة والكثرة فيصلحان لهما ولذا قيل انهما مشتركان بينهما واستدلوا عليه بقوله تعالى ما نفدت كلمات الله { اغرقوا } فى الدنيا بالطوفان لا بسبب آخر وفيه زجر لمرتكب الخطايا مطلقا { فادخلوا نارا } تنكير النار اما لتعظيمها وتهويلها او لانه تعالى اعد لهم على حسب خطيئاتهم نوعا من النار والمراد اما عذاب القبر فهو عقيب الاغراق وان كانوا فى الماء فان من مات فى ماء او نار او اكلته السباع او الطير أصابه ما يصيب المقبور من العذاب عن الضحاك انهم كانوا يغرقون من جانب اى بالابدان ويحرقون من جانب اى بالارواح فجمعوا بين الماء والنار كما قال الشاعر

الخلق مجتمع طورا ومفترق والحادثات فنون ذات اطوار
لا تعجبن لأضداد اذا اجتمعت فالله يجمع بين الماء والنار

او عذاب جهنم والتعقيب لتنزيله منزلة المتعقب لاغراقهم لاقترا به وتحققه لا محالة واتصال زمانه بزمانه كما دل عليه قوله من مات فقد قامت قيامته على ان النار اما نصف نار وهى للارواح فى البرزخ واما تمام نار وهى للارواح والاجسام جميعا بعد الحشر وقس على الجحيم النعيم { فلم يجدوا لهم من دون الله انصارا } اى يجد أحد منهم لنفسه واحدا من الانصار ينصرهم على من اخذهم بالقهر والانتقام وفيه تعريض باتخاذهم آلهة من دون الله وبأنها غير قادرةعلى نصرهم وتهكم بهم ومن دون الله حال متقدمة من قوله انصارا والجملة الاستئنافية الى هنا من كلام الله اشعارا بدعوة اجابة نوح وتسلية للرسول عليه السلام واصحابه وتخويفا للعاصى من العذاب واسبابه.