التفاسير

< >
عرض

إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّواْ عِبَادَكَ وَلاَ يَلِدُوۤاْ إِلاَّ فَاجِراً كَفَّاراً
٢٧
-نوح

روح البيان في تفسير القرآن

{ انك ان تذرهم } عليها كلا او بعضا ولا تهلكهم بيان لوجه دعائه عليهم واظهار بأنه كان من الغيرة فى الدين لا لغلبة غضب النفس لهواها { يضلوا عبادك } عن طريق الحق قال بعضهم عبادك المؤمنين وفيه اشعار بأن الاهل لان يقال لهم عباد اهل الايمان انتهى وفيه نظر بل المراد يصدوا عبادك عن سبيلك كقوله تعالى { وصدوا عن سبيل الله } دل عليه انه كان الرجل منهم ينطلق بابنه الى نوح فيقول له احذر هذا فانه كذاب وان ابى حذرنيه واوصانى بمثل هذه الوصية فيموت الكبير وينشأ الصغير على ذلك { ولا يلدوا } ونزايند { الا فاجرا } الفجر شق الشئ شقا واسعا كفجر الانسان الكسر وهو بالكسر اسم لسد النهر وما سد به النهر والفجور شق ستر الديانة { كفارا } مبالغا فى الكفر والكفران قال الراغب الكفار ابلغ من الكفور وهو المبالغ فى كفران النعمة والمعنى الا من سيفجر ويكفر فالوجه ارتفاعهم عن وجه الارض والعلم لك فوصفهم بما يصيرون اليه بعد البلوغ فهو من مجاز الاول وكأنه اعتذار مما عسى رد عليه من ان الدعاء بالاستئصال مع احتمال ان يكون من اخلافهم من يؤمن منكر وانما قاله بالوحى لقوله تعالى فى سورة هود { واوحى الى نوح انه لن يؤمن من قومك الا من قد آمن } فان قلت هذا اذا كان دعاء نوح متأخرا عن وحى تلك الآية وذلك غير معلوم قلت الظاهر ان مثل هذا الدعاء انما يكون فى الاواخر بعد ظهور امارات النكال قال بعضهم لا يلد الحية الا الحية وذلك فى الاغلب ومن هناك قيل (اذا طاب اصل المرء طابت فروعه) ونحوه الولد سر أبيه قال بعضهم فى توجيهه ان الولد اذا كبر انما يتعلم من اوصاف أبيه او يسرق من طباعه بل قد يصحب المرء رجلا فيسرق من طباعه فى الخير والشر.
يقول الفقير معناه فيه ما فيه اى من الجمال والجلال فقد يكون الجمال الظاهر فى الأب باطنا فى الابن كما كان فى قابيل بن آدم حيث ظهر فيه ما بطن فى أبيه من الجلال وكان الامر بالعكس فى هابيل بن آدم وكذا الامر الى يوم القيامة فى الموافقة والمخالفة وقال بعض الكبار اعتذار نوح يوم القيامة عند طلب الخلق الشفاعة منه بدعوته على قومه انما هو لما فيها من قوله ولا يلدوا الا فاجرا كفارا لا نفس دعائه عليه من حيث كونه دعاء انتهى اشار الى ان دعاء نوح كان بالامارات حيث جربهم قريبا من ألف سنة فلم يظهر منهم الا الكفر والفجور ولو كان بالوحى لما اعتذار كما قال القاشانى مل من دعوة قومه وضجر واستولى عليه الغضب ودعا ربه لتدمير قومه وقهرهم وحكم بظاهر الحال ان المحجوب الذى غلب عليه الكفر لا يلد الا مثله فان النطفة التى تنشأ منها النفس الخبيثة المحجوبة وتتربى بهيئتها المظلمة لا تقبل الا مثلها كالبذر الذى لا ينبت الا من صنفه وسبخه وغفل عن ان الولد سر أبيه اى حاله الغالبة على الباطن فربما كان الكافر باقى الاستعداد صافى الفطرة نقى الاصل بحسب الاستعداد الفطرى وقد استولى على ظاهره العادة ودين آبائه وقومه الذين نشأ بينهم فدان بدينهم ظاهرا وقد سلم باطنه فيلد المؤمن على حال النورية كولادة أبى ابراهيم عليه السلام فلا جرم تولد من تلك الهيئة الغضبية الظلمانية التى غلبت على باطنه وحجبته فى تلك الحالة عما قال مادة ابنه كنعان وكان عقوبة لذنب حاله انتهى ويدل على ما ذكر من ان دعاءه اليس مبنيا على الوحى ما ثبت ان النبى عليه السلام شبه رضى الله عنه فى الشدة بنوح وأبا بكر رضى الله عنه فى اللين بابراهيم قال بعض العارفين فى قوله تعالى
{ وما ارسلناك الا رحمة للعالمين } فى هذه الآية عتاب لطيف فانها نزلت حين مكث يدعو على قوم شهرا مع ان سبب ذلك الدعاء انما هو الغيرة على جناب الله تعالى وما يستحقه من الطاعة ومعنى العتاب انى ما ارسلتك سبابا ولا لعانا وانما بعثنك رحمة اى لترحم مثل هؤلاء الذين دعوت عليهم كأنه يقول لو كان بدل دعائك عليهم الدعاء لهم لكان خيرا فانك اذا دعوتنى لهم ربما اجبت دعاءك فوفقتهم لطاعتى فترى سرور عينك وقرتها فى طاعتهم لى واذا لعنتهم ودعوت عليهم واجبت دعاءك فيهم لم يكن من كرمى ان آخذهم الا بزيادة طغيانهم وكثرة فسادهم فى الارض وكل ذلك انما كان بدعائك عليهم فكأنك امرتهم بالزيادة فى الطغيان الذى اخذناهم به فتنبه رسول الله عليه السلام لما ادبه به ربه فقال ان الله ادبنى فأحسن تأديبى ثم صار يقول بعد ذلك اللهم اغفر لقومى فانهم لا يعلمون وقام ليلة كاملة الى الصباح بقوله تعالى ان تعذبهم فانهم عبادك وان تغفر لهم فانك أنت العزيز الحكيم لا يزيد عليها فأين هذا من دعائه قبل ذلك على رعل وذكوان وعصية وعلى صناديد قريش اللهم عليك بفلان اللهم عليك بفلان فاعلم ذلك فاقتد بنبيك فى ذلك والله يتولى هداك (وقال بعض اهل المعرفة) نوح جون از قوم خود برنجيد بهلاك ايشان دعا كرد ومصطفى عليه السلام جون از قوم برنجيد بشفقت كفت اللهم اهد قومى فانهم لا يعلمون.
واعلم انه لا يجوز ان يدعى على كافر معين لانا لا نعلم خاتمته ويجوز على الكفار والفجار مطلقا وقد دعا عليه السلام على من تحزب على المؤمنين وهذا هو الاصل فى الدعاء على الكافرين.