التفاسير

< >
عرض

رَّبِّ ٱغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ وَلاَ تَزِدِ ٱلظَّالِمِينَ إِلاَّ تَبَاراً
٢٨
-نوح

روح البيان في تفسير القرآن

{ رب اغفر لى } ذنوبى وهى ما صدر منه من ترك الاولى { ولوالدى } ذنوبهما ابو ملك بن متوشلخ على وزن الفاعل كمتد حرج او هو بضم الميم والتاء المشددة المضمومة وفتح الشين المعجمة وسكون اللام وروى بعضهم الفتح فى الميم وامه سمخا بنت انوش كانا مؤمنين قال ابن عباس رضى الله عنه لم يكفر لنوح أب ما بينه وبين آدم وفى اشراق التواريخ امه قسوس بنت كابيل وفى كشف الاسرار هيجل بنت لاموس ابن متوشلخ بنت عمه وكانا مسلمين على ملة ادريس عليه السلام وقيل المراد بوالديه آدم وحوآء عليهما السلام { ولمن دخل بيتى } اى منزلى وقيل مسجدى فانه بيت اهل الله وان كان بيت الله منَ وجه وقيل سفينتى فانها كالبيت فى حرز الحوآئج وحفظ النفوس عن الحر والبرد وغيرهما { مؤمنا } حال كون الداخل مؤمنا وبهذا القيد خرجت امرأته واعلة وابنه كنعان ولكن لم يجزم عليه السلام بخروجه الا بعد ما قيل له انه ليس من اهلك { وللمؤمنين والمؤمنات } بى او من لدن آدم الى يوم القيامة. وكفته اندمراد ابن امت مرحومه اند.
خص اولا من يتصل به نسبا ودينا لانهم اولى واحق بدعائه ثم عم المؤمنين والمؤمنات وفى الحديث
"ما الميت فى القبر الا كالغريق المتغوث ينتظر دعوة تلحقه من أب او أخ او صديق فاذا لحقته كانت أحب اليه من الدنيا وما فيها وان الله ليدخل على اهل القبور من دعاء اهل الارض امثال الجبال وان هدية الاحياء الى الاموات الاستغفار لهم" { ولا تزد الظالمين الا تبارا } اى هلاكا وكسرا وبالفارسية مكرهلاكى بسختى.
والتبردقاق الذهب قال فى الاول ولا نزد الظالمين الا ضلالا لانه وقع بعد قوله وقد أضلوا كثيرا وفى الثانى الاتبار الانه وقع بعد قوله لا تذر على الارض الخ فذكر فى كل مكان ما اقتضاه وما شاكل معناه والظاهر انه عليه السلام اراد بالكافرين والظالمين الذين كانوا موجودين فى زمانه. متمكنين فى الارض ما بين المشرق والمغرب فمسئوله ان يهلكهم الله فاستجيب دعاؤه فعمهم الطوفان بالغرق وما نقل عن بعض المنجمين من انه أراد جزيرة العرب فوقع الطوفان عليهم دون غيرهم من الآفاق مخالف لظاهر الكلام وتفسير العلماء وقول اصحاب التواريخ بأن الناس بعد الطوفان توالدوا وتناسلوا وانتشروا فى الاطراف مغاربها ومشارقها من اهل السفينة دل الكلام على الظالم اذا ظهر ظلمه وأصر عليه ولم ينفعه النصح استحق ان يدعى عليه وعلى اعوانه وانصاره قيل غرق معهم صبيانهم ايضا لكن لا على وجه العقاب لهم بل لتشديد عذاب آبائهم وامهاتهم بارآء هلاك اطفالهم الذين كانوا اعز عليهم من انفسهم قال عليه السلام يهلكون مهلكا واحدا ويصدرون مصادر شتى وعن الحسن انه سئل عن ذلك فقال علم الله برآءتهم فأهلكهم بغير عذاب وكم من الصبيان من يموت بالغرق والحرق وسائر اسباب الهلاك وقبل اعقم الله ارحام نسائهم وايبس اصلاب آبائهم قبل الطوفان بأربعين او سبعين سنة فلم يكن معهم صبى ولا مجنون حين غرقوا لان الله تعالى قال
{ وقوم نوح لما كذبوا الرسل اغرقناهم } ولم يوجد التكذيب من الاطفال والمجانين وفى الاسئلة المقحمة ولو أهلك الاطفال بغير ذنب منهم ماذا يضر فى الربوبية أليس الله يقول { قل فمن يملك من الله شيأ ان أراد أن يهلك المسيح بن مريم وامه ومن فى الارض جميعا
}. يقول الفقير الظاهر هلاك الصبيان مع الآباء والامهات لان نوحا عليه السلام ألحقهم بهم حيث قال ولا يلدوا الا فاجرا كفارا اذ من سيفجر ويكفر فى حكم الفاجر والكافر فلذلك دعا على الكفار مطلقا عموما بالهلاك لاستحقاق بعضهم له بالاصالة وبعضهم بالتبعية ودعا للمؤمنين والمؤمنات عموما وخصوصا بالنجاة لان المغفور ناج لا محالة وروى عكرمة عن ابن عباس رضى الله عنهما انه كان اذا قرأ القرءآن بالليل فمر بآية يقول لى يا عكرمة ذكرنى هذه الآية غدا فقرأ ذات ليلة هذه الآية اى رب اغفر لى الخ فقال يا عكرمة ذكرنى هذه غدا فذكرتها له فقال ان نوحا دعا بهلاك الكافرين ودعا للمؤمنين بالمغفرة وقد اسجتيب دعاؤه على الكافرين فاهلكوا وكذلك استجيب دعاؤه فى المؤمنين فيغفر الله للمؤمنين والمؤمنات بدعائه.
ورد عن بعض الصحاب رضى الله عنهم انه قال نجاة المؤمنين بثلاثة اشياء بدعاء نوح وبدعاء اسحق وبشفاعة محمد عليه السلام يعنى المذنبين وفى التأيلات النجمية رب اغفر لى ولوالدى من العقل الكلى والنفس الكلى ولمن دخل بيتى مؤمنا من الروح والقلب وللمؤمنين من القوى الروحانية والمؤمنات من النفوس الداخلة تحت نور الروح والقلب بسبب نور الايمان ولا تزد الظالمين النفس الكافرة والهوى الظالم الا تبارا هلاكا بالكلية بالفناء فى الروح والقلب وعلى هذا التأويل يكون دعاء لهم لا دعاء عليهم انتهى وقال القاشانى رب اغفر لى اى استرنى بنورك بالفناء فى التوحيد ولروحى ولنفسى اللذين هما أبوا لقلقت ولمن دخل بيتى اى مقامى فى حضرة القدس مؤمنا بالتوحيد لعلمى اولا رواح الذين آمنوا ونفوسهم فبلغهم الى مقام الفناء فى التوحيد ولا تزد الظالمين الذين نقصوا حظهم بالاحتجاب بظلمة نفوسهم عن عالم النور الا تبارا اهلاكا بالغرق فى بحر الهيولى وشدة الاحتجاب انتهى فيكون دعاء عليهم كما لا يخفى.
تمت سورة نوح بعون من بيده الفتوح يوم الاربعاء الرابع والعشرين من شوال من سنة ست عشرة ومائة والف.