التفاسير

< >
عرض

وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوۤاْ أَصَابِعَهُمْ فِيۤ آذَانِهِمْ وَٱسْتَغْشَوْاْ ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّواْ وَٱسْتَكْبَرُواْ ٱسْتِكْبَاراً
٧
-نوح

روح البيان في تفسير القرآن

{ وانى كلما دعوتهم } اى الى الايمان وفى التأويلات النجمية كلما دعوتهم بلسان الامر مجردا عن انضام الارادة الموجبة لوقوع المأمور فان الامر اذا كان مجردا عن الارادة لا يجب ان يقع المأمور به بخلاف ما اذا كان مقرونا بالارادة فانه لا بد حينئذ من وقوع المأمور به { لتغفر لهم } بسببه { جعلوا اصابعهم فى آذانهم } اى سدوا مسامعهم من استماع الدعوة فالجعل المذكور كناية عن هذا السد ولا مانع من الحمل على حقيقته بأن يدخلوا اصابعهم فى ثقب آذانهم قصدا الى عدم الاستماع { واستغشوا ثيابهم } الاستغشاء جامه بسر در كشيدن.
كما فى تاج المصادر مأخوذ من الغشاء وهو الغطاء وفى الاصل اشتمال من فوق ولما كان فيه معنى الستر استعمل بمعناه واصل الاستغشاء طلب الغشى اى الستر لكن معنى الطلب هنا ليس بمقصود بل هو بمعنى التغطى والستر وانما جيئ بصيغته التى هى السين للمبالغة والثياب جمع ثوب سمى به لثوب الغزل اى رجوعه الى الحالة التى قدر لها والمعنى وبالغوا فى التغطى بثيابهم كأنهم طلبوا منها ان تغشاهم اى جميع اجزآء بدنهم آلة الابصار وغيرها لئلا يبصروه كراهة النظر اليه فان المبطل يكره رؤية المحق للتضاد الواقع بينهما وقس عليهما المتكبر والكافر والمبتدع بالنسبة الى المتواضع والمؤمن والسنى اولئلا يعرفهم فيدعوهم.
يقول الفقير هذا الثانى ليس بشئ لان دعوته على ما سبق كانت عامة لجميع من فى الارض ذكورهم واناثهم والمعرفة ليست من شرط الدعوة واشتباه الكافر بالمؤمن مدفوع بأن المؤمن كان اقل القليل معلوما على كل حال على ان التغطى من موجبات الدعوة لان بذلك يعلم كونه من اهل الفرار اذ لم يكن فى ذلك الزمان حجاب وقال بعضهم ويجوز ان يكون التغطى مجازا عن عدم ميلهم الى الاستماع والقبول بالكلية لان من هذا شأنه لا يسمع كلامه غيره { وأصروا } اى اكبوا واقاموا على الكفر والمعاصى وفى قول القلوب الاصرار يكون بمعنى ان يعقد بقلبه انه متى قدر على الذنب فعله اولا يعقد الند ولا التوبة منه واكبر الاصرار السعى فى طلب الاوزار (وفى تاج المصادر) الاصرار برجيزى باستادن وكوش راست كردن است.
يقال اصر الحمار على العانة وهى القطيع من حمر الوحش اذا ضم اذنيه الى رأسه واقبل عليها يكدمها ويطردها استعير للاقبال على الكفر والمعاصى والاكباب عليهما بتشبيه الاقبال المذكور باصرار الحمار على العانة يكدمها ويطردها ولو لم يكن فى ارتكاب المعاصى الا التشبيه بالحمار لكفى به مزجرة فكيف والتشبيه فى سوء حاله وهو حال الكدم والطرد للسفاد { واستكبروا } تعظموا عن اتباعى وطاعتى واخذتهم العزة فى ذلك { استكبارا } شديدا لانهم قالوا أنؤمن لك واتبعك الارذلون قال بعض العارفين من اصر على المعصية اورثته التمادى فى الضلالة حتى يرى قبيح اعماله حسنا فاذا رآه حسنا يتكبر ويعلو بذلك على اولياء الله ولا يقبل بعد ذلك نصيحتهم قال سهل قدس سره الاصرار على الذنب يورث النفاق والنفاق يورث الكفر.