التفاسير

< >
عرض

قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ ٱسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ ٱلْجِنِّ فَقَالُوۤاْ إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً
١
-الجن

روح البيان في تفسير القرآن

{ قل } يا محمد لقومك { اوحى الى } اى ألقى على بطريق الوحى واخبرت باعلام من الله تعالى والايحاء اعلام فى خفاء وفائدة اخباره بهذه الاخبار بيان انه رسول الثقلين والنهى عن الشرك والحث على التوحيد فان مع تمردهم وعدم مجانستهم اذا آمنوا فكيف لا يؤمن البشر مع سهولة طبعهم ومجانستهم. { استمع } اى القرءآن اوطه او اقرأ وقد حذف لدلالة ما بعده عليه والاستماع بالفارسية نيوشيدن. والمستمع من كان قاصدا للسماع مصغيا اليه والسامع من اتفق سماعه من غير قصد اليه فكل مستمع سامع من غير عكس { نفر من الجن } جماعة منهم ما بين الثلاثة والعشرة وبالفارسية كروهى كه ازده كتر وازسه بيشتر بودند.
قال فى القاموس النفر ما دون العشرة من الرجال كالنفير والجمع انفار وفى المفردات النفر عدة رجال يمكنهم النفر الى الحرب بالفارسية بيرون شدن.
والجن واحده جنى كروم ورومى ونحوه قال ابن عباس رضى الله عنهما انطلق رسول الله عليه السلام فى طائفة من اصحابه الى سوق عكاظ فأدركهم وقت صلاة الفجر وهم بنخلة فأخذ هو عليه السلام يصلى باصحابه صلاة الفجر فمر عليهم نفر من الجن وهم فى الصلاة فلما سمعوا القرءآن استمعوا له وفيه دليل على انه عليه السلام ولم ير الجن حينئذ اذ لو رآهم لما اسند معرفة هذه الواقعة الى الوحى فان ما عرف بالمشاهدة لا يستند اثباته الى الوحى وكذا لم يشعر بحضورهم وباستماعهم ولم يقرأ عليهم وانما اتفق حضورهم فى بعض اوقات قرآءته فسمعوها فأخبره الله بذلك وقد مضى ما فيه من التفصيل فى سورة الاحقاف لا نعيده والجن اجسام رقاق فى صورة تخالف صورة الملك والانس عاقلة كالانس خفية عن ابصارهم لا يظهرون لهم ولا يكلمونهم الا صاحب معجزة بل يوسوسون سائر الناس يغلب عليهم النارية او الهوآئية ويدل على الاول مثل قوله تعالى
{ وخلق الجان من مارج من نار } فان المشهور ان المركابت كلها من العناصر فما يغلب فيه النار فنارى كالجن وما يغلب فيه الهوآء فهوآئى كالطير وما يغلب فيه الماء فمائى كالسمك وما يغلب فيه التراب فترابى كالانسان وسائر الحيوانات الارضية واكثر الفاسفة ينكرون وجود الجن فى الخارج واعترف به جمع عظيم من قدمائهم وكذا جمهور أرباب الملل المصدقين بالانبياء قال القاشانى ان فى الوجود نفوسا ارضية قوية لا فى غلظ النفوس السبعية والبهيمية وكثافتها وقلة ادراكها ولا على هيئات النفوس الانسانية واستعداداتها ليلزم تعلقها بالاجرام الكثيفة الغالب عليها الارضية ولا فى صفاء النفوس المجردة ولطافتها لتتصل بالعالم العلوى وتتجرد او تتعلق ببعض الاجرام السماوية متعلقة باجرام عنصرية لطيفة غلبت عليهم الهوآئية او النارية او الدخانية على اختلاف احوالها سماها بعض الحكماء الصور المعلقة ولها علوم وادراكات من جنس علومنا وادرركاتنا ولما كانت قريبة بالطبع الى الملكوت السماوى امكنها ان تتلقى من عالمها بعض الغيب فلا يستبعد أن ترتقى افق السماء فتسترق السمع من كلام الملائكة اى النفوس المجردة ولما كانت ارضية ضعيفة بالنسبة الى القوى السماوية تأثرت تلك القوى فرجمت بتأثيرها عن بلوغ شأوها وادراك مداها من العلوم ولا ينكر أن تشتعل اجرامها الدخانية بأشعة الكواكب فتحترق وتهلك او تنزجر عن الارتقاء الى الافق السماوى فتتسفل فانها امور ليست بخرجة عن الامكان وقد اخبر عنها اهل الكشف والعيان الصادقون من الانبياء والاولياء خصوصا اكملهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وهى فى الوجود الانسانى لاستتارها فىغيب الباطن { فقالوا } لقومهم عند رجوعهم اليهم { انا سمعنا قرءآنا } اى كتابا مقروأ على لسان الرسول { عجبا } مصدر بمعنى العجيب وضع موضعه للمبالغة والعجيب ما خرج عن حد اشكاله ونظائره والمعنى بدعيا مباينا لكلام الناس فى حسن النظم ودقة المعنى وقال البقلى كتابا عجيبا تركبه وفيه اشارة الى انهم كانوا من اهل اللسان قال عيزار بن حريث كنت عند عبد الله بن مسعود رضى الله عنه فأتاه رجل فقال له كنا فى سفر فاذا نحن بحية جريحة تتشحط فى دمها اى تضطرب فان الشحط بالحاء المهملة لاضطراب فى الدم فقطع رجل منا قطعة من عمامته فلفها فيها فدفنها فلما امسينا ونزلنا أتانا امرأتان من احسن نساء الجن فقالتا ايكم صاحب عمر واى الحية التى دفنتموها فأشرنا لهما الى صاحبهما فقالتا انه كان آخر من بقى من استمع القرءآن من رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بين كافرى الجن ومسلميهم قتال فقتل فيهم فان كنتم اردتم به الدنيا ثوبناكم اى عوضناكم فقلنا لا انما فعلنا ذلك لله فقالتا احسنتم وذهبتا يقال اسم الذى لف الحيه صفوان بن معطل المرادى صاحب قصة الافك والجنى عمرو بن خابررحمه الله .