التفاسير

< >
عرض

وَأَنَّهُ تَعَالَىٰ جَدُّ رَبِّنَا مَا ٱتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلاَ وَلَداً
٣
-الجن

روح البيان في تفسير القرآن

{ وانه تعالى جد ربنا } بالفتح وكذا ما بعده من الجمل المصدرة بأن فى احد عشر موضعا عطف على انه استمع فيكون من جملة الكلام الموحى به على ان الموحى عين عبارة الجن بطريق الحكاية كأنه قيل قل اوحى الى كيت وكيت وهذه العبارات فاندفع ما قيل من انك لوعطفت وانا ظننا وانا سمعنا وانه كان رجال وانا لمسنا وشبه ذلك على أنه استمع لم يجز لانه ليس مما اوحى اليه وانما هو امر اخبروا به عن انفسهم انتهى ومن قرأ بالكسر عطف على المحكى بعد القول وهو الاظهر لوضوح اندراج الكل تحت القول وقيل فى الفتح والكسر غير ذلك والاقرب ما قلناه والمعنى وان الشأن ارتفع عظمة ربنا كما تقول فى الثناء وتعالى جدك اى ارتفع عظمتك وفى اسناد التعالى الى العظمة مبالغة لا تخفى من قولهم جد فلان فى غنى اى عظم تمكنه او سلطانه لان الملك والسلطنة غاية العظمة او غناه على انه مستعار من الجد الذى هو البخت والدولة والحظوظ الدنيوية سوآء استعمل بمعنى الملك والسلطان او بمعنى الغنى فان الجد فى اللغة كما يكون بمعنى العظمة وبمعنى أب الاب وأب الام يكون بمعنى الحظ والبخت يقال رجل مجدود اى محظوظ شبه سلطان الله وغناء الذاتيان الازليان ببخت الملوك والاغنياء فأطلق اسم الجد عليه استعارة { ما اتخذ صاحبة ولا ولدا } بيان لحكم تعالى جده كأنه قيل ما الذى تعالى عنه فقيل ما اتخذ أى لم يختر لنفسه لكمال تعاليه زوجة ولا بنتا كما يقول الظالمون وذلك انهم لما سمعوا القرءآن ووفقوا للتوحيد والايمان تنبهوا للخطأ فيما اعتقده كفرة الجن من تشبيه الله بخلقه فى اتخاذ الصاحبة والولد فاستعظموه ونزهوه تعالى عنه لعظمته ولسلطانه او لغناه فان الصاحبة تتخذ للحاجة اليها والولد للتكثير وابقاء النسل بعد فوته وهذه من لوازم الامكان والحدوث وايضا هو خارج عن دآئرة التصور والادراك فكيف يكيفه احد فيدخل تحت جنس حتى يتخذ صاحبة من صنف تحته او ولدا من نوع يماثله وقد قالت النصارى ايضا المسيح ابن الله واليهود عزيرا ابن الله وبعض مشركى العرب الملائكة بنات الله ويلزم من كون المسيح ابن الله على ما زعموا ان تكون مريم صاحبة له ولذا ذكر الصحابة يعنى ان الولد يقتضى الام التى هى صاحبة الاب الوالد واشار بالصحابة الى النفس وبالولد الى القلب فيكون الروح كالزوج والاب لهما وهو فى الحقيقة مجرد عن كل علاقة وانما تعلق بالبدن لتظهر قدرة الله وايضا ليستكمل ذاته من جهة الصفات.