التفاسير

< >
عرض

وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ ٱلإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ ٱلْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً
٦
-الجن

روح البيان في تفسير القرآن

{ وانه } اى وان الشان { كان } فى الجاهلية { رجال } كائنون { من الانس } خبر كان قوله { يعوذون } العوذ الالتجاء الى الغير والتعلق به { برجال من الجن } فيه دلالة ان للجن نساء كالانس لان لهم رجالا ولذا قيل فى حقهم انهم يتوالدون لكنهم ليسوا بمنظرين كابليس وذريته قال اهل التفسير كان الرجل من العرب اذا امسى فى واد قفر فى بعض مسايره وخاف على نفسه يقول اعوذ بسيد هذا الوادى من شر سفهاء قومه يريد الجن وكبيرهم فيبيت فى امن وجوار حتى يصبح فاذا سمعوا بذلك استكبروا وقالوا سدنا الانس والجن وذلك قوله تعالى { فزادوهم }عطف على يعوذون والماضى للتحقق اى فزاد الرجال العائذون الانسيون الجن { رهقا } مفعول ثان لزاد اى تكبرا وعتوا وسفها فان الرهق محركة يجيئ على معان منها السفه وركوب الشر والظلم قال فى آكام المرجان وبهذا يجيبون المعزم والراقى باسمائهم واسماء ملوكهم فانه يقسم عليهم باسماء من يعظمونه فيحصل لهم بذلك من الرياسة والشرف على الانس ما يحملهم على ان يعطوهم بعض سؤالهم وهم يعلمون ان الانس أشرف منهم واعظم قدرا فاذا خضعت الانس لهم واستعاذت بهم كان بمنزلة اكابر الناس اذا خضع لهم أصغرهم يقضون لهم حاجاتهم او المعنى فزاد الجن العائذين غيا بأن اضلوهم حتى استعاذوا بهم واذا استعاذوا بهم فأمنوا ظنوا ان ذلك من الجن فازدادوا رغبة فى طاعة الشياطين وقبول وساوسهم والفاء حينئذ لترتيب الاخبار واسناد الزيادة الى الانس والجن باعتبار السببية (وروى) عن كردم بن ابى السائب الانصارى رضى الله عنه انه قال خرجت مع أبى الى المدينة فى حاجة وذلك اول ما ذكر النبى عليه السلام بمكة فأدانى المبيت الى راعى غنم فلما انتصف الليل جاء الذئب فحمل حملا من الغنم فقال الراعى يا عامر الوادى جارك فنادى مناد لا نراه يقول يا سرحان ارسله فأتى الحمل يشتد حتى دخل فى الغنم ولم تصبه كدمة فأنزل الله على رسوله بمكة وانه كان رجال الخ قال مقاتل كان اول من تعوذ بالجن قوم من اهل اليمن ثم من حنيفة ثم فشا ذلك فى العرب فلما جاء الاسلام عوذوا بالله وتركوهم وعن على بن أبى طالب رضى الله عنه انه قال اذا كنت بواد تخاف فيه السبع فقل اعوذ بدانيال وبالجب من شر الأسد انتهى أشار بذلك الى ما رواه البيهقى فى الشعب ان دانيال طرح فى الجب وألقيت عليه السباع فجعلت السباع تلحسه وتبصبص اليه فأتاه رسول فقال يا دانيال فقال من انت قال أنا رسول ربك اليك أرسلنى اليك بطعام فقال الحمد لله الذى لا ينسى من ذكره (وروى) ابن ابى الدنيا ان بخت نصر ضرى اسدين وألقاهما فى جب وجاء بدانيان فألقاه عليهما فلم يضراه وذكر قصته فلما ابتلى دانيال بالسباع جعل الله الاستعاذة به فى ذلك تمنع الشر الذى لا يستطاع كما فى حياة الحيوان فعلم من ذلك ان الاستعاذة بغير الله مشروعة فى الجملة لكن بشرط التوحيد واعتقاد التأثير من الله تعالى قال القاشانى فى الآية اى تستند القوى الظاهرة الى القوى الباطنة وتتقوى بها فزاوهم غشيان المحارم واتيان المناهى بالدواعى الوهمية والنوازع الشهوية والغضبية والخواطر النفسانية.