التفاسير

< >
عرض

وَٱذْكُرِ ٱسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً
٨
-المزمل

روح البيان في تفسير القرآن

{ واذكر اسم ربك } ودم على ذكره تعالى ليلا ونهارا على اى وجه كان من تسبيح وتهليل وتحميد وصلاة وقرآءة قرءآن ودراسة علم خصوصا بعد صلاة الغداة وقيل غروب الشمس فانهما من ساعات الفتح والفيض وذكر الله على الدوام من وظائف المقربين سوآء كان قلبا او لسانا او اركانا وسواء كان قياما او قعودا او على الجنوب وبالفارسية ويادكن بروردكار خودرا وباسماء حسنى اورا بخوان.
قال عليه السلام من احصاها اى حصلها دخل الجنة فالمراد من ذكر اسمه فكره تعالى بواسطة ذكر اسمه ولذا قال تعالى واذكر ربك اذ نسيت فالذكر والنسيان فى الحقيقة كلاهما من صفات القلب وعند تجلى المذكور يفنى الذكر والذاكر كما قال شيخى وسندى روح الله روحه فى شرح تفسير الفاتحة للقنوى قدرس سره من اشتغل من الاسماء المجازية بما يسر الله الاشتغال به وداوم عليه فلا ريب انه يحصل بينه وبين سر هذا الاسم المشتغل به وروحه بعناية الله وفضله مناسبة ما بقدر الاشتغال ومتى قويت تلك المناسبة بينهما وكملت بحسب قوة الاشتغال وكماله يحصل بينه وبين مدلوله من الاسماء الحقيقية بواسطة هذه المناسبة الحاصلة مناسبة بقدرها قوة وكمالا ومتى بلغت الى حد الكمال ايضا هذه المناسبة الثانية الحاصلة بينه وبين هذا الاسم الحقيقى بجود الحق سبحانه وعطائه يحصل بينه وبين مسماه الحق تعالى مناسبة بمقدار المناسبة الثانية من جهة القوة والكمال لان العبد بسبب هذه المناسبة يغلب قدسه على دنسه ويصير مناسبا لعالم القدس بقدر ارتفاع حكم الدنس فحيئذ يتجلى الحق سبحانه له من مرتبة ذلك الاسم بحسيها وبقدر استعداده ويفيض عليه ما شاء من العلوم والمعارف والاسرار الالهية والكونية اما من الوجه العام وطريق سلسلة ترتيب المراتب والحضرات وغيرها من الوسائط والاسباب والادوات والمواد المعنوية والصورة واما من الوجه الخاص بدون الوسائل والاغيار او منهما معا جميعا اذ وجه اما هذا او ذاك لا غيرهما غير نسبة الجمع بينهما وقال بعضهم فى الآية اذا أردت قرآءة القرءآن او الصلاة فقل بسم الله الرحمن الرحيم وقال القاشانى واذكر اسم ربك الذى هو انت اى اعرف نفسك واذكرها ولا تنسها فينساك الله واجتهد لتحصيل كمالها بعد معرفة حقيقتها { وتبتل اليه تبتيلا } التبتل الانقطاع وتبتيل دل ازدنيا بريدن.
والمعنى وانقطع الى ربك انقطاعا تاما بالعبادة واخلاص والية والتوجه الكلى كما قال تعالى قل الله ثم ذرهم وبالفارسية يعنى نفس خودرا از انديشه ما سوى الله مجرد ساز واز همكى روى بردار

دل در وبند واز غيرش بكسل هرجه جز اوست برون كن از دل

وليس هذا منافيا لقوله عليه السلام لارهبانية ولا تبتل فى الاسلام فان التبتل هنا هو الانقطاع عن النكاح ومنه قيل لمريم العذرآء رضى الله عنه البتول اى المنقطعة عن الرجال والانقطاع عن النكاح والرغبة لقوله تعالى وأنكحوا الايامى منكم وقوله عليه السلام "تناكحوا تكثروا فانى اباهى بكم الامم يوم القيامة" واما اطلاق البتول على فاطمة الزهرآء رضى الله عنها فلكونها شبيهة بسيدة نساء بنى اسرآئيل فى الانقطاع عما سوى الله لا عن النكاح وقيل تبتلا مكان تتتلا لان معنى تبتل بتل نفسه فجيئ به على معناه مراعاة الحق الفواصل لان حظ القرءآن من حسن النظم والرصف فوق كل حظ وقال بعضهم لما لم يكن الانقطاع الكلى الى بتجريد النبى عليه السلام نفسه عن العوائق الصادرة علن مراقبة الله وقطع العلائق عما سواه قيل تبتلا مكان تبتلا فيكون النظم من قبيل الاحتياك كما فى قوله تعالى والله انبتكم من الارض نباتا على وجه وهو ان التقدير انبتكم منها انباتا فنبتم نباتا وكذا التقدير ههنا اى تبتل اليه تبتلا يبتلك عما سواه تبتيلا والانسب يبتلك اسم ربك بفناء صفاتك وافعالك وتبتل اليه تبتيلا بفناء ذاتك وبقاء ذاته ثم ان التبتل يكون من الدنيا ان ظاهرا فقط فهو مذموم كبعض الحفاة العراة الذين اظهروا الفقر فى ظواهرهم وابطنوا الحرص فى ضمائرهم واما باطنا فقط وهو ممدوح كالاغنياء من الانبياء والاولياء عليهم السلام فانهم انقطعوا عن الدنيا باطنا اذ ليس فيهم حب الدنيا اصلا وانما لم ينقطعوا ظاهرا لان ارادتهم تابعة لارادة الله والله تعالى أراد ملكهم ودولتهم كسليمان ويوسف وداود وأيوب والاسكندر وغيرهم عليهم السلام واما ظاهرا وباطنا كاكثر الانبياء والاولياء وقد يكون التبتل من الخلق اما ظاهرا فقط كتبتل بعض المتعبدة فى قلل الجبال واجواف المغارات لجذب القلوب وجلب الهدايا واما باطنا لاظهارها كأهل الارشاد وهم عامة الانبياء وبعض الاولياء اذ لا بد فى ارشاد الخلق من مخالطتهم واما ظاهرا وباطنا كبعض الاولياء الذين اختاروا لعزلة وسكنوا فى المواضع الخالية عن الناس قال بعضهم السلوك الى الله تعالى يكون بالتبتل ومعناه الاقبال على الله بملازمة الذكر والاعراض عن غيره بمخالفة الهوى هذا هو السفر بالحركة المعنوية من جانب المسافر الى جانب المسافر اليه وان كان الله أقرب الى العبد من حبل الوريد فان مثال الطالب والمطلوب مثال صورة حاضرة مع مرآءة لكن لا تتجلى فيها لصدأ فى وجهها فمتى صقلتها تجلب فيها الصور لا بارتحال الصورة اليها ولا بحركتها الى جانب الصورة ولكن بزوال الحجاب فالحجاب فى عين العبد والا فالله متجل بنوره غير خفى على اهل البصيرة وان كان فرق بين تجل وتجل بحسب المحل ولذا قال عليه السلام ان الله يتجلى للناس عامة ولأبى بكر خاصة فتجلى العامة كتجلى صورة واحدة فى مرآئى كثيرة فى حالة واحدة وتجلى الخاصة كتجلى صورة واحدة فى مراءة واحدة واليه الاشارة بقوله عليه السلام "لى مع الله وقت" اذ لا يخفى ان التجلى فى ذلك الوقت مخصوص به عليه السلام لا يزاحمه غيره فيه.
يقول الفقير ان فى هذا المقام اشكالا وهو انه عليه السلام اذا كان مستغرق الاوقات فى الذكر دآئم الانقطاع الى الله على ما افاده الآيتان فكيف يتأتى له السبح فى النهار على ما افصح عنه قوله تعالى ان لك فى النهار سبحا طويلا ولعل جوابه من وجوه الاول ان الامر بالذكر الدآئم والانقطاع الكلى من باب الترقى من الرخصة الى العزيمة كما يقتضيه شأن الا كامل والثانى ان السبح فى النهار ليس من قبيل الواجب فله ان يختار التوكل على التقلب ويكون مستوعب الاوقات بالذكر والثالث ان الشغل الظاهر لا يقطع الكمل عن مراقبته تعالى كما قال تعالى رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وقال تعالى الذين هم على صلاتهم دآئمون والرابع ان ذلك بحسب اختلاف الاحوال والا شخاص فمن مشتغل ومن ذاكر والله اعلم بالمرام.