التفاسير

< >
عرض

عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ
٣٠
-المدثر

روح البيان في تفسير القرآن

{ عليها } اى على سقر { تسعة عشر } اى ملكا يتولون امرها ويتسلطون على اهلها وهم مالك وثمانية عشر معه أعينهم كالبرق الخاطف وانيابهم كالصياصى واشعارهم تمس اقدامهم يخرج لهب النار من افواههم ما بين منكبى احدهم مسيرة سنة نزعت منهم الرأفة والرحمة يأخذ أحدهم سبعين ألفا فى كفه ويرميهم حيث أراد من جهنم قيل هذه التسعه عشر عدا الرؤساء والنقباء واما جملة اشخاصهم فكما قال تعالى وما يعلم جنود ربك الا هو فيجوز أن يكون لكل واحد منهم أعوان لا تعد ولا تحصى ذكر ارباب المعانى والمعرفة فى تقدير هذا العدد وتخصيصه وجوها (منها ان سبب فساد النفس الانسانية فى قوتها النظرية والعلمية هو القوى الحيوانية والطبيعية فالقوى الحيوانية هى الخمس الظاهرة والخمس الباطنة والشهوة والغضب ومجموعها اثنتا عشرة واما القوى الطبيعية فهى الجاذبة والماسكة والهاضمة والدافعة والغاذية والنامية والمولدة فالمجموع تسع عشرة قال ابن الشيخ والمراد بالقوى الحيوانية القوى التى تختص بالحيوان من بين المواليد الثلاثة الحيوان والنبات والمعدن وهى قسمان مدركة وفاعله فالمدركة اى مالها مدخل فى الادراك بالمشاهدة والحفظ عشر وهى الحواس الخمس الظاهرة والخمس الباطنة والفاعلة اى مالها مدخل فى الفعل اما باعثة او محركة وهما اثنتان الشهوة والغضب والقوى الطبيعية هى القوى التى لا تختص بالحيوان بل توجد فى النبات ايضا وهى سبع ثلاث منها مخدومة وهى الغاذية والنامية والمولدة واربع منها خوادم وهى الجاذبة والهاضمة والماسكة والدافعة فلما كان منشأ الآفات هو هذه القوى التسع عشرة كان عدد الزبانية هكذا قال سعدى المفتى وأنت خبير بأن اثبات هذه القوى بناؤه على الاصول الفلسفية ونقى الفاعل المختار فيصان تفسير كلام الله عن امثاله اى وان ذكرها الامام فى التفسير الكبير وتبعه من بعده وقال ايضا والحق ان يحال علمه الى الله تعالى فالعقول البشرية قاصرة عن ادراك امثاله انتهى ويرده ما قال الامام السهيلى فى الامالى ان النكتة التى من اجلها كانوا تسعة عشر عددا ولم يكونوا اكثر أو أقل فلعمرى ان فى الكتاب والسنة لدليلا عليها واشارة اليها ولكنها كالسر المكنون والناس اسرع شئ الى انكار ما لم يألفوه وتزييف مالم يعرفوه ولا يؤمن فى نشرها وذكرها سوء التأويل لقصور اكثر الافهام عن الوعى والتحصيل مع قلة الانصاف فى هذا الجيل انتهى (ومنها ان أبواب جهنم سبعة ستة منها للكفار وواحد للفساق ثم ان الكفار يدخلون النار لأمور ثلاثة ترك الاعتقاد وترك الاقرار وترك العمل فيكون لكل باب من تلك الابواب الستة ثلاثة فالمجموع ثمانيه عشر واما باب الفساق فليس هانك الا ترك العمل فالمجموع تسعة عشر (ومنها ان الساعات اربع وعشرون خمس منها مشغولة بالصلوات الخمس فيبقى منها تسع عشرة مشغولة بغير العبادة مصروفة الى ما يؤاخذ به بأنواع العذاب يعنى انه لم يخلق فى مقابلة الخمس التى جعلت مواقيت الصلاة زبانية تكريما لها فلا يلزم الاختصاص بالمصلين من عصاة المؤمنين كما فى حواشى سعدى المفتى فلا جرم صار عد الزبانية تسعه عشر ومنها انه تعالى حفظ جهنم بما حفظ به الارض ومن الجبال وهى مائة وتسعون اصلها تسعة عشر (ومنها ان المدبرات للعالم النجوم السيارة وهى سبعة والبروج الاثنى عشر الموكلة بتدبير العالم السفلى المؤثرة فيه تقمعهم بسياط التأثير وترديهم فى مهاويها) ومنها ما قال السجاوندى فى عين المعانى قد تكلموا فى حكمة العدد على انه لا تطلب للاعداد العلل فان التسعة اكثر الآحاد والعشرة اقل العشرات فقد جمع بين اكثر القليل واقل الكثير يعنى ان التسعة عشر عدد جامع بينهما فلهذا كانت الزبانية على هذا العدد (ومنها ما قال فى كشف الاسرار ان قوله بسم الله الرحمن الرحيم) تسعة عشر حرفا وعدد الزبانية تسعة عشر ملكا فيدفع المؤمن بكل حرف منها واحدا منهم وقد سبقت رحمته غضبه ومنها ما لاح لهذا الفقير قبل الاطلاع على ما فى كشف الاسرار وهو أن عدد حروف البسملة تسعة عشر (كما قال المولى الجامى)

{ نوزده حر فست كه هزده هزار عالم ازو يافته فيض عميم

ولما كانت البسملة آية الرحمة والكفار والفساق لم يقبلوه هذه الآية حيث سلكوا سبيل الكفر والمعاصى خلق الله فى مقابلة كل حرف منها ملكا من الغضب والجلال وجعله آية الغضب كما جعل خازن الجنة آية الرحمة دل على ما قلنا قوله عليه السلام يسلط على الكافر فى قبره تسعة وتسعون تنينا وهو اكبر الحيات بالفارسية ازدر.
فى فمه انياب مثل اسنة الرماح وهو طويل كالنخلة السحوق أحمر العينين مثل الدم واسع الفم والجوف يبتلع الانسان والحيوان وسره انه كفر بالله وباسمائه الحسنى التى هى تسعة وتسعون فاستحق ان يسلط عليه تسعة وتسعون تنينا بعدها فى قبره الذى هو حفرة من حفر النيران فلا يلزم ان يسلط عليه ذلك العدد فى النار فالتسع عدد القهر والحصر
والانقراض لانه ينقرض عن اهل النار امداد الرحمة الرحيمية (ومنها ما فى التأويلات النجمية من ان اختلال النفوس البشرية بحسب العمل والعلم والدخول فى جهنم البعد والطرد واللعن والحجاب والاحتجاب مترتب على موجباتها وهى تسعة غير الحواس الخمس الظاهرة والخمس الباطنة وهى الاعضاء والجوارح السبع التى ورد بها الحديث بقوله عليه السلام
"امرت ان اسجد على سبعة اعضاء وآراب" والطبيعة البشرية المشتملة على الكل المؤثرة فى الكل بحسب الظاهر والباطن ويجوز أن تكون القوة الغضبية والشهوية بدل الطبيعة فصار الكل تسعة عشر