التفاسير

< >
عرض

ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ
١٩
-القيامة

روح البيان في تفسير القرآن

{ ثم ان علينا بيانه } اى بيان ما اشكل عليك من معانيه واحكامه وسمى ما يشرح المجمل والمبهم من الكلام بيانا لكشفه عن المعنى المقصود اظهاره وفى ثم دليل على انه يجوز تأخير البيان عن وقت الخطاب لا عن وقت الحاجة الى العمل لانه تكليف بما لا يطاق قال اهل التفسير كان عليه السلام اذا لقن الوحى نازع جبريل القرآءة ولم يصبر الى ان يتمها مسارعة الى الحفظ وخوفا من ان يفلت منه فامر بأن يستنصت له ملقيا اليه قلبه وسمعه حتى يقضى اليه الوحى كما قال تعالى ولا تعجل بالقرءآن من قبل ان يقضى اليك وحيه ثم يقضيه بالدراسة الى ان يرسخ فيه وعن بعض العارفين انه قال فيه اشارة الى صحة الاخذ عن الله بواسطة كأنه تعالى يقول خذه عن جبريل كأنك ما علمته الا منه ولا تسابق بما عندك منا من غير واسطة واكابر المحققين يسمون هذه الجهة التى هى عدم الوسائط بالوجه الخاص والفلاسفة ينكرون هذا الوجه ويقولون لا ارتباط بين الحق والموجودات الا من جهة الاسباب والوسائط فليس عندهم ان يقول الانسان أخبرنى ربى اى بلا وساطة وهم مخطئون فى هذا الحكم فانه لما كان ارتباط كل ممكن بالحق من حيث الممكن من جهتين جهة الوحدة وجهة الكثرة وجب ان تكون جهة والحدة بلا واسطة وهو الوجه الخاص وجهة الكثرة بواسطة وهو الوجه العام ولما كان نبينا عليه السلام اكمل الخلق فى جهة الوحدة لكون احكام كثرته وامكانه مستهلكة بالكلية فى وحدة الحق واحكام وجوبه كان ياخذ عن الله بلا واسطة اى من الوجه الخاص وكان ينطبع فى قلبه ما يريد الحق ان يخبره به فاذا جاءه الكلام من جهة الوسائط اى من الوجه العام بصورة الالفاظ والعبارات التى استدعتها احوال المخاطبين كان يبادر اليه بالنطق به لعلمه بمعناه بسبب تلقيه اياه من حيث اللاواسطة لينفس عن نفسه ما يجده من الكربة والشدة التى يلقاها مزاجه من التنزل الروحانى فان الطبيعة تنزعج من ذلك للمباينة الثابتة بين المزاج وبين الروح اللكى فعرف الحق نبينا عليه السلام ان القرءآن وان اخذته عنا من حيث معناه بلا واسطة فان انزالنا اياه مرة اخرى من جهة الوسائط يتضمن فوآئد زآئده منها مراعاة افهام المخاطبين به لان الخلق المخاطبين بالقرءآن حكم ارتباطهم بالحق انما هو من جهة سلسلة الترتيب والوسائط كما هو الظاهر بالنسبة الى اكثرهم فلا يفهمون عن الله الا من تلك الجهة ومنها معرفتك اكتساء تلك المعانى العبارة الكاملة وتستجلى فى مظاهرها من الحروف والكلمات فتجمع بين كمالاته الباطنة والظاهرة فيتجلى بها روحانيتك وجسمانيتك ثم يتعدى الامر منك الى امتك فيأخذ كل منهم حصته منه علما وعملا فى قوله تعالى لا تحرك به لسانك الخ تعليم وتأديب اما التعليم فما اشير اليه من ان باب جهة الوحدة مسدود على اكثر الناس فلا يفهمون عن الله الى من الجهة المناسبة لحالهم وهى جهة الوسائط والكثرة الامكانية واما التأديب فانه لما كان الآتى بالوحى من الله جبريل فمتى بودر بذكر ما اتى به كان كالتعجيل له واظهار الاستغناء عنه وهذا خلل فى الادب بلا شك سيما مع المعلم المرشد ومن هذا التقرير عرف ان قوله تعالى لا تحرك به الخ واقع فى البين بطريق الاستطراد فانه لما كان من شأنه عليه السلام الاستعجال عند نزول كل وحى على ما سبق من الوجه ولم ينه عنه الى ان اوحى اليه هذه السورة من اولها الى قوله ولو ألقى معاذيره وعجل فى ذلك كسائر المرات نهى عنه بقوله لا تحرك الخ ثم عاد الكلام الى تكملة ما ابتدئ به من خطاب الناس ونظيره ما لو ألقى المدرس على الطالب مسألة وتشاغل الطالب بشئ لا يليق بمجلس الدرس فقال ألق الى بالك وتفهم ما اقول ثم كمل المسألة.
يقول الفقير أيده الله القدير لاح لى فى سر المناسبة وجه لطيف ايضا وهو ان الله تعالى بين قبل قوله لا تحرك به الخ جمع العظام ومتفرقات العناصر التى هى اركان ظاهر الوجود ثم انتقل الى جمع القرءآن واجزآئه التى هى اساس باطن الوجود فقال بعد قوله ايحسب الانسان ان لن نجمع عظامه ان علينا جمعه فاجتمع الجمع بالجمع والحمدلله تعالى وقد تحير طائفة من قدماء الروافض خذلهم الله تعالى حيث لم يجدوا المناسبة فزعموا ان هذا القرءآن غير وبدل وزيد فيه ونقص وفى التأويلات النجمية اعلم ان كل ما استعد لاطلاق الشيئية عليه فله ملك وملكوت لقوله تعالى بيده ملكوت كل شئ والقرءآن اشرف الاشياء واكملها فله ايضا ملك وملكوت فاما ملكه فهو الاحكام والشرآئع الظاهرة التى تتعلق بمصالح الامة من العبادات المالية والبدنية والجنايات والوصايات وامثالها واما ملكوته فهو الاسرار الالهية والحقائق اللاهوتية التى تتعلق ببواطن خواص الامة واخص الخواص بل بخلاصة اخص الخواص من المكاشفات و والمشاهدات السرية والمعاينات الروحية ولكل واحد من الملك والملكوت مدركات يدرك بها لا غير لان الوجدانيات والذوقيات لا تسعها ألسنة العبارات لانها منقطع الاشارات فقوله لا تحرك الخ يشير الى عدم تعبيره بلسان الظاهر عن اسرار الباطن والحقائق الآبية عن تصرف العبارات فيها بالتعبير عنها وان مظهره الجامع جامع بين ملك القرءآن وملكوته وهو عليه السلام يتبع بظاهره ملكه وبباطنه ملكوته نسأل الله سبحانه ان يجعلنا من المتبعين للقرءآن فى كل زمان