التفاسير

< >
عرض

إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ
٢٣
-القيامة

روح البيان في تفسير القرآن

{ الى ربها ناظرة } قوله ناظرة خبر ثان للمبتدأ والى ربها متعلق بها والنظر تقليب البصر والبصيرة لادراك الشئ ورؤيته والمراد بنظر الوجوه نظر العيون التى فيها بطريق ذكر المحل وارادة الحال وهذا عند اهل القال واما عند اهل الحال فلا ينحصر النظر فى البصر والاجاء القيد والله منزه عن ذلك بل ينقلب الباطن ظاهرا والظاهر بصرا بجميع الاجزآء فيشاهد الحق به كما يشاهد بالبصيرة فى الدنيا والآخرة عالم اللطافة ولذا لا حكم للقالب والجسد الظاهر هنا وانما الحكم للقلب والروح الظاهر صور الاعضاء بهما فاعرف جدا. بزركى را برسيدند كه

راه از كدام جانب است كفت ازجانب تونيستجون ازتو در كذشتى از همه جانباه راهست
جون بصديقان بيا كردند وزان ره ساختندزجزبدل رفتن دران ره يك قدم را بار نيست

والمعنى ان الوجوه تراه تعالى عيانا مستغرقة فى مطالعة جماله بحيث تغفل عما سواه وتشاهده تعالى بلا كيف ولا على جهة وحق لها ان تنضر وهى تنظر الى الخالق. مثل مؤمن مثل بازاست بازرا جون بكيرند وخواهندكه شايسته دست شاه كردد مدتى جشم او بدور وزند بندى بريايش نهند در خانه تاريك باز دارند از جفتش جدا كنند يك جندى بكر سنكيش متنى كنندنا ضعيف ونحيف كردد ووطن خويش فراموش كند وطبع كذاشتكى دست بدارد آنكه بعاقبت جشمش بكشايند شمعى بيش وى بيفروزند طبلى از بهروى بزنند طعمه كوشت ببش وى نهند ودست شاه مقروى سازند باخود كويد دركل عالم كرا بود اين كرامت كه مراست شمع بيش ديده من آواز طبل نوى من كوشت مرغ طعمه من دست شاه جاى من بر مثال اين حال جون خوانندكه بنده مؤمن رالحه خلت بوشانند وشراب محبت نوشاند باوى همين معاملت كنند مدتى در جهار روز كارى برين صفت بكذارند آنكه ناكاه طبل قيامت بزنند بنده از خاك لحد سر برآرد جشم كبشايد نور بهشت بيند دنيا فراموش كند شراب وصل نوش كند برمائده خلد بتشيند جنانجه آن بازجشم بازكند خودراردست شاه بيند بنده مؤمن جشم باز كندخودارا فقعد صدق بيند سلام ملك شنوديدار ملك بيتد ميان طوبى وزلفى وحسنى شادان ونازان درجلال وجمال حق نكران ايسنت كه رب العالمين كفت.
وليس هذا فى جميع الاحوال حتى ينافيه نظرها الى غيره من الاشياء الكثيرة والاولى ان التقديم للاهتمام ورعاية الفاصلة لان التقييد ببعض الاحوال تقييد بلا دليل ومناف لمقام المدح المقتضى لعموم الاحوال وغير مناسب لقوله وجوه يومئذ ناضرة لعمومه فى الاحوال ولو سلم فالاختصاص ادعائى فان النظر الى غيره فى جنب النظر اليه لا يعد نظرا بل هو بمنزلة العدم كما فى قوله زيد الجواد هكذا قالوا ولكن من اهل الجنة من فاز بالتجلى الذاتى الابدى الذى لا حجاب بعده ولا مستقر للكمل دونه وهو الذى اشار اليه عليه السلام بقوله صنف من اهل الجنة لا يستتر الرب عنهم ولا يحتجب وكان يذكره ايضا فى دعائه ويقوله واسألك لذة النظر الى وجهك الكريم ابد دآئما سرمدا دون ضرآء مضرة ولا فتنة مضلة فالضرآء المضرة حصول الحجاب بعد التجلى والتجلى بصفة تستلزم سدل الحجب والفتنة المضلة كل شبهة توجب خللا او نقصا فى العلم والشهود.
آورده ان اورا دهريك ازاوتاد اين كلما تست اللهم انى أسألك النظرة الى وجهك الكريم هركس ببهشت آرزويى دارد وعاشق جزآرزوى ديدن ديدارندارد بير طريقت كفت بهره عارف دربهشت سه جيزاست سماع وشراب وديدار سماع را كفت
{ فهم فى روضة يحبرون } شراب را كفت { وسقاهم ربهم شرابا طهورا } ديدار كفت { وجوه يومئذ ناضرة الى ربها ناظرة } سماع بهره كوش شراب زبان كشايد ديدار صفت ربايد سماع مطلوب را نقد كند شراب را زجلوه كند ديدار عارف را فرد كندسماع را هفت اندام رهى كوش جونساقى اوست شراب همه نوش ديداررا زبر هرموى ديده روشن.
ثم ان جميع اهل السنة حملوا هذه الآية على انها متضمنة رؤيه المؤمنين لله تعالى بلا تكييف ولا تحديد ولا يصح تأويل من قال لا ضرر بها ونحوه وجعله الزمخشرى كناية عن معنى التوقع والرجاء على معنى انهم لا يتوقعون النعمة والكرامة الا من ربهم كما كانوا فى الدنيا لا يخشون ولا يرجون الا اياه وجوابه انه لا يعدل الى الكناية بلا ضرورة داعية اليها وهى ههنا مفقودة فالاحاديث الصحيحة تدل على تعين جانب الحقيقة وأما قوله عليه السلام جنتان من فضة آنيتهما ومافيهما وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما وما بين القوم وبين أن ينظروا الى ربهم الردآء الكبرياء على وجهه حيث ان المعتزلة قالوا ان لاردآء حجاب بين المرتدى والناظرين فلا تمكن الرؤية فجوابه انهم حجبوا عن أن المرتدى لا يحجب عن الحجاب اذا المراد بالوجه الذات وبردآء الكبرياء هو العبد الكامل المخلوق على الصورة الجامعة للحقائق الامكانية والالهية يعنى ردآء كبرياء نفس مظهرست ومشاهده ذات بودن مظهرى محالست. والردآء هو الكبرياء واضافته للبيان والكبرياء ردآؤه الذى يلبسه عقول العلماء بالله للتفهيم فلا ردآء هناك حقيقة فالرتبة الحجابية باقية ابدا وهى رتبة المظهر لانها كالمرءآة واما قوله عليه السلام حين سئل هل رأيت ربك ليلة المعراج فقال
"نورأنى أراه" فمعناه ان النور المجرد لا تمكن رؤيته يعنى انما تتعذر الرؤية والادراك باعتبار تجرد الذات عن المظاهر والنسب والاضافات فاما فى المظاهر ومن ورآء حجابية المراتب فالادراك ممكن ومن المعتزلة من فسر النظر بالانتظار وجعل قوله الى اسما مفردا بمعنى النعمة مضافا الى الرب جمعه آلاء فيكون مفعولا مقدما لقوله ناظرة بمعنى منتظرة والتقدير وجوه يومئذ منتظرة نعمة ربها ورد بان الانتظار لا يسند الى الوجه سوآء أريد به المعنى الحقيقى او أريد به العين بطريق ذكر المحل وارادة الحال وتفسير الوجه بالذات وجملة الشخص خلاف الظاهر وبأن الانتظار لا يعدى بالى ان جعل حرفا واخذه بمعنى النعمة فى هذا المقام يخالف المعقول لان الانتظار يعد من الآلام ونعيم الجنة حاضر لاهلها ويخالف المنقول ايضا وهو أنه عليه السلام قال "أدنى أهل الجنة منزلة من ينظر الى جنانه وازواجه ونعيمه وخدمه وسريره مسيرة ألف سنة" يعنى تاهزال ساله راه آنرا نيندوا كرمهم على الله من ينظر الى وجهه غدوة وعشية يعنى بمقدار ازان ثم قرأ عليه السلام وجوه يومئذ ناضرة الى ربها ناظرة فقد فسر النظر بنظر العين والرؤية فظهر ان المخالف اتبع رأيه وهواه (وروى) انه عليه السلام نظر الى القمر ليلة البدر فقال انكم سترون ربكم كما ترون هذا لا تضامون فى رؤيته وهو بفتح التاء وتشديد الميم من الضم أصله لا تتضامون اى لا ينضم بعضكم الى بعض ولا يقول أرنيه بل كل ينفرد برؤيته وروى بتخفيف الميم من الضيم وهو الظلم فتكون التاء حينئذ مضمومة يعنى لا ينالكم ظلم بأن يرى بعضكم دون بعض بل تستوون كلكم فى رؤيته تعالى وهذا حديث مشهور تلقته الامة بالقبول ومعنى التشبيه فيه تشبيه الرؤية بالرؤية فى الوضوح لا تشبيه المرئى بالمرئى فثبت ان المؤمنين يرونه بغير كيف ولا كم وضرب من مثال فينسون النعيم اذا رأوه فيا خسران اهل الاعتزال وسئل مالك بن انس رضى الله عنهما عن قوله تعالى الى ربها ناظرة وقيل له ان قوما يقولون الى ثوابه فقال مالك كذبوا فأين هم عن قوله تعالى كلا انهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ثم قال الناس ينظرون الى الله بأعينهم ولو لم ير المؤمنون ربهم يوم القيامة لم يعذب الله الكفار بالحجاب وقال صاحب العقد الفريد ومن اعتقد غير هذا فهو مبتدع زنديق وقد يشهد للمطلوب ويرد دعوى أهل البدعة أن الرؤية هى اللذة الكبرى فكيف يكون المؤمنون محرومين منها والدار دار اللذة فينبغى للمؤمن أن تكون همته من نعم الجنة نعمة اللقاء فان غيرها نعم بهيمية مشتركة قال بعض العارفين دلت الآية على ان القوم ينظرون الى الله تعالى فى حال الصحو والبسط لان النضرة من امارات البسط فلا يتداخلهم حياء ولا دهشة والا لتنغص عيشهم بل لو عاينوه بوصف الجلال الصرف لهلكوا فى اول سطوة من سطواته فهم يرونه فى حال الانس بنوره بل به يرونه وهنالك وجود العارف كله عين يرى حبيبه بجميع وجوده وتلك العيون مستفادة من تجلى الحق فقوم لهم بالنظر من نفسه الى نفسه ويظهر سر الوحدة بين العاشق والمعشوق والرؤية تقتضى بقاء الرآئى وهو من مقتضيات عالم الصفات واستهلاك العبد فى وجود الحق اتم كما هو مقتضى عالم الذات قال النصر ابادى قدس سره من الناس ناس طلبوا الرؤية واشتاقوا اليه تعالى ومنهم العارفون الذين اكتفوا برؤية الله لهم فقالوا رؤيتنا ونظرنا فيه علل ورؤيته ونظره بلا علة فهو أتم بركة واشمل نفعا وقال بعضهم القرب المذكور فى قوله تعالى ونحن اقرب اليه من حبل الوريد هو الذى منع الخلق عن الادراك للحق كما ان الهوآء لما كان مباشر لحاسة البصر لم يدركه البصر وكذلك الماء اذا غاص الغائص فيه وفتح عينيه يمنعه قربه من حاسة بصره أن يراه والحق اقرب الى الناس من نفسه فكان لا يرى لقربه كما انه تعالى لا يرى لبعده وعلو ذاته اين التراب من رب الارباب ولكن اذا أراد العبد أن يراه تنزل من علوه ورفع عبده الى رؤيته فرآءه به ولذلك قال عليه السلام "انكم سترون ربكّم كما ترون الشمس والقمر" وهما فى شأنهما متوسطان فى القرب والبعد فغاية القرب حجاب كما ان غاية البعد حجاب والكل يراه فى الدنيا لا يعرف انه هو وفرق بين العارف وغيره ألا ترى انه ذا كان فى قلبك لقاء شخص وأنت لا تعرفه بعينه فلقيك وسلم عليك وانت لم تعرفه فقد رأيته وما رأيته كالسلطان اذ دار فى بلده متنكرا فانه يراه كثير من الناس ولا يعرفه ثم ان منهم من يقول لم يتيسر لى رؤية السلطان الى الآن وأنا أريد أن انظر اليه مع انه نظر اليه مرارا فهو فى حال بصره اعمى فما اشد حجابه ثم انه لو اتفق له النظر اليه فربما لا يتعمق ففرق بين ناظر وناظر بحسب حدة بصره وضعفه ولذا قالوا انما تفاوتت الافراد فى حضرة الشهود مع كونهم على بساط الحق الذى لا نقص فيه لانهم انما يشهدون فى حقائقهم ولو شهدوا عين الذات لتساووا فى الفضيلة وقال بعض العارفين الخلق اقرب جار للحق تعالى وذلك من أعظم البشرى فان للجار حقا مشروعا معروفا يعرفه العلماء بالله فينبغى لكل مسلم أن يحضر هذا الجوار الالهى عند الموت حين يطلب من الحق ما يستحقه الجار على جاره من حيث ما شرع قال تعالى لنبيه عليه السلام قل رب احكم بالحق اى الحق الذى شرعته لنا تعاملنا به حتى لا ننكر شيأ منه مما يقتضيه الكرم الالهى فهو دعاء افتقار وخضوع وذل(حكى) ان الحجاج أراد قتل شخص فقال له لى اليك حاجة قال أريد أن امشى معك ثلاث خطوات ففعل الحجاج فقال الشخص حق هذه الصبحة أن تعفو عنى فعفا عنه.