التفاسير

< >
عرض

وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْساً كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلاً
١٧
عَيْناً فِيهَا تُسَمَّىٰ سَلْسَبِيلاً
١٨
-الإنسان

روح البيان في تفسير القرآن

{ ويسقون فيها } اى فى الجنة بسقى الله او بسقى الطائفين بأمر الله وفيه زيادة تعظيم لهم ليست فى قوله يشربون من كأس بصيغة المعلوم { كأسا } خمرا { كان مزاجها } ما تمزج به وتخلط { زنجبيلا } الزنجبيل عرق يسرى فى الارض ونباته كالقصب والبردى وعلم منه ان ما كان مزاجها زنجبيلا غير ما كان مزاجها كافورا والمعنى زنجبيلا اى ماء يشبه الزنجبيل فى الطعم وكان الشراب الممزوج به اطيب ما يستطيب العرب وألذ ما تستلذ به لانه يحذو اللسان ويهضم الطعام كما فى عين المعانى ولما كان فى تسمية تلك العين بالزنجبيل توهم ان ليس فيها سلاسة الانحدار فى الحق وسهولة مساغها كما هو مقتضى اللذع والاحراق ازال ذلك الوهم بقوله { عينا } بدل من زنجبيلا { فيها تسمى } عند الملائكة من خازن الجنة واتباعه { سلسبيلا } لسلاسة انحدارها فى الحلق وسهولة مساغها فكان العين سميت بصفاتها قال بعضهم يطلق عليها ذلك وتوصف به لانه علم لها يعنى ان سلسبيل صفة لا اسم والا لامتنع من الصرف للعلمية والتأنيث ولم يقرأ به واحد من العشرة ويقال انما صرف مع انه اسم عين وهى مؤنث معنوى لرعاية رأس الآية قال فى الكواشى لفظ مفرد بوزن فعلليل كدردبيس يقال شراب سلسل وسلسال وسلسبيل سهل الدخول فى الحلق لعذوبته وصفائه ولذلك حكم بزيادة الباء اى بعدم التفاوت فى المعنى بوجودها وعدمها والا فالباء ليست من حروف الزيادة وقيل زيدت الباء على السلسال حتى صارت كلمة خماسية للدلالة على غاية السلاسة والحلاوة وقال ابن المبارك من طريق الاشارة معنى السلسبيل سل من الله اليه سبيلا قال ابن الشيخ جعل الله مزاج شراب الابرار اولا كافورا وثانيا زنجبيلا لان المقصود الاهم حال الدخول البرودة لهجوم العطش عليهم من حر العرصات وعبور الصراط وبعد استيفاء حظوظهم من أنواع نعيمها ومطعوماتها تميل طباعهم الى الأشربة التى تهيج الاشتهاء وتعيين على تهنئة ما تناولوه من المطعومات ويلتذ الطبع بشربها فلعل الوجه فى تأخير ذكر ما يمزج به الزنجبيل عما يمزجه بالكافور ذلك وفى التأويلات النجمية يشير بالزنجبيل الى شراب الوحدة الممزوجة بزنجبيل الكثرة المعقولة من مفهوم التوحيد وبالسلسبيل الى شراب الوحدة الصافية عن الامتزاج بزنجبيل الكثرة وسميت سلسبيلا لسلاسة انحدارها وذلك لبساطتها وصرافتها وقال القاشانى كان مزاجها زنجبيل لذة الاشتياق فانهم لا شوق لهم ليكون شرابهم الزنجبيل الصرف الذى هو غاية حرارة الطلب لوصولهم ولكن لهم الاشتياق للسير فى الصفات وامتناع حصولهم على جميعها فلا تصفو محبتهم من لذة حرارة الطلب كما صفت لذة محبة المستغرقين فى عين جمع الذات فكان شرابهم العين الكافورية الصرفة والزنجبيل عين فى الجنة لكون حرارة الشوق عين المحبة النائشة من منبع الوحدة مع الهجران تسمى سلسبيلا لسلاستها فى الحلق وذوفها قال العشاق المهجورين الطالبين السالكين سبيل الوصال فى ذوق وسكر من حرارة عشقهم لا يقاس به ذوق.