التفاسير

< >
عرض

إِنَّا خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً
٢
-الإنسان

روح البيان في تفسير القرآن

{ انا خلقنا الانسان } اى خلقناه يعنى جسمه والاظهار لزيادة التقرير { من نطفة } حتى كان علقة فى اربعين يوم ومضغة فى ثمانين ومنفوخا فيه الروح فى مائة وعشرين يوما كما كان ابوهم آدم خلق من طين فألقى بين مكةوالطائف فأقام أربعين سنة ثم من حمأ مسنون فأقام أربعين سنة اخرى ثم من صلصال فأقام اربعين سنة اخرى فتم خلقه فى مائة وعشرين سنة اخرى فنفخ فيه الروح على ما جاء فى رواية الضحاك عن ابن عباس رضى الله عنهما فما كان سنين فى آدم كان اياما فى اولاده وحمل بعضهم الانسان الاول على آدم والثانى على اولاده على أن يكون الحين هو الزمن الطويل الممتد الذى لا يعرف مقداره والاول وهو حمله فى كلا الموضعين على الجنس اظهر لان المقصود تذكير الانسان كيفية الخلق بعد أن لم يكن ليتذكر اول امره من عدم كونه شيأ مذكورا او آخر أمره من كونه شيأ مذكورا مخلوقا من ماء حقير فلا يستبعد البعث كما سبق { امشاج } اخلاط بالفارسية آميختها. جمع مشج كسبب او كتف على لغتيه او مشيج من مشجت الشئ اذا خلطته وصف النطفة بالجمع مع افرادها لما ان المراد بها مجموع الماءين يختلطان فى الرحم ولكل منهما اوصاف مختلفة من اللون والرقة والغلظ وخواص متباينة فان ماء الرجل ابيض غليظ فيه قوة العقد وماء المرأة اصفر رقيق فيه قوة الانعقاد فيخلق منهما الولد فأيهما علا صاحبه كان الشبه له وما كان من عصب وعظم وقوة فمن ماء الرجل وما كان من لحم ودم وشعر فمن ماء المرأة على ما روى فى المرفوع وفى الخبر ما من مولود الا وقد ذر على نطفته من تربة حفرته كل واحد منهما مشيج بالآخر وقال الحسنرحمه الله نطفة مشيجة بدم وهو دم الحيض فاذا حبلت ارتفع الحيض واليه ذهب صاحب القاموس حيث قال ونطفة امشاج مختلطة بماء المرأة ودمها انتهى فيكون النطفتان ودمها جمعا وقال الراغب هو عبارة عما جعل الله بالنطفة من القوى المختلفة المشار اليهابقوله ولقد خلقنا الانسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة فى قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة الآية انتهى فيكون معنى امشاج ألوان وأطوار على ما قال قتادة وفى التأويلات النجمية اى من نطفة قوة القابلية الممتشجة المختلطة بنطفة قوة الفاعلية اى خلقناه من نطفة الفيض الاقدس المتعلق بالفاعل ونطفة الفيض المقدس المتعلق بالقابل فالفيض الاقدس الذاتى بمنزلة ماء الرجل والفيض المقدس الاسمائى بمنزلة بمنزلة ماء المرأة { نبتليه } حال مقدرة من فاعل خلقنا اى مريدين ابتلاءه واختباره بالتكيف فيما سيأتى ليتعلق علمنا بأحواله تفصيلا فى العين بعد تعلقه بها اجمالا فى العلم وليظهر احوال بعضهم لبعض من القبول والرد والسعادة والشقاوة { فجعلناه سميعا بصيرا } ليتمكن من استماع الآيات التنزيلية ومشاهدة الآيات التكوينية فهو كالمسبب عن الاتبلاء اى عن ارادته فلذلك عطف على الخلق المقيد به بالفاء كأنه قيل انا خلقناه مريدين تكليفه فأعطيناه ما يصح معه التكليف والابتلاء وهو السمع والبصر وسائر آلات التفهيم والتمييز وطوى ذكر العقل لان المراد ذكر ما هو من اسبابه والآلة التى يستكمل فطريقة الاول لأكثر الخلق من السعداء السمع ثم البصر ثم تفهم العقل وفى الاختيار صيغة المبالغة اشارة الى كمال احسانه اليه وتمام انعامه وبصيرا مفعول ثان بعد ثان لجعلناه وفى التأويلات النجمية فجعلناه سميعا جميع المسموعات بصيرا جميع المبصرات كما قال كنت سمعه وبصره فبى يسمع وبى يبصر فلا يفوته شيئ من المسموعات ولا من المبصرات فافهم جدا يا مسكين وقال أبو عثمان المغربى قدس سره ابتلى الله الخلق بتسعة امشاج ثلاث فتانات هى سمعه وبصره ولسانه وثلاث كافرات هن نفسه وهواه وعدوه الشيطان وثلاثة مؤمنات هى عقله وروحه وقلبه فاذا أيد الله العبد بالمعونة قهر العقل على القلب فملكه واستأسر النفس والهوى فلم يجدا الى الحركة سبيلا فجانست النفس الروح وجانس الهوى العقل وصارت كلمة الله هى العليا قال الله تعالى قاتلوهم حتى لا تكون فتنة.